انترنت الاشياء ركيزة المدن الذكية - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الاثنين، 19 ديسمبر 2016

انترنت الاشياء ركيزة المدن الذكية



الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ المعلومات في الجامعة المستنصرية


 
قد نعتقد ان مقولة (الانسان كائن اجتماعي) تعني فقط رغبته في العيش مع الاخر، ضمن مجتمع بشري كبر هذا المجتمع ام صغر. وهذا صحيح من الناحية العلمية، لكن هذه الصفة تشترك معه فيها الكثير من الكائنات الحية، كبيرة كانت مثل قطعان الفيلة والجاموس، أم صغيرة كانت مثل خلايا النحل والنمل. بالتالي العيش في الحيز الجمعي للنوع الاجتماعي، لا يميز الانسان بتلك الصفة. لان مفهوم الانسان كائن اجتماعي يلخص الرغبة الفريدة للانسان للتواصل مع الاخر، والتواصل سواء أكان مباشراً ام غير مباشر، شي يختلف تماما عن الاجتماع في الحيز المكاني، لان التواصل يعني الرغبة في الحوار وتبادل الاراء والافكار، للوصول الى فهم متبادل. هذه الصفة هي ما يميز الانسان على المستوى الاجتماعي عن باقي الكائنات الحية.
لكن قد تكون المسافات أحيانا عنصرا يحد من عملية التواصل المباشر بين البشر، الذين يطمحون دائما الى التعرف على ثقافات وعادات وتقاليد جديدة، مما يدفعهم للسفر والترحال من مكان الى مكان اخر. واحياناً قد لا يكون بمقدور الانسان دائما التنقل والترحال في بقاع الارض الشاسعة، بالتالي ابتكر البشر اسلوب المرسال الذي يكون حلقة الوصل بين شخصين فرقت بينهم البحار والاقطار. حتى اصبحت  الحاجة الى تنظيم عملية التراسل بين البشر ملحة جدا، الامر الذي دفع الحكومات الى تقديم خدمات البريد للمواطنين لتمكنهم من الاتصال والتواصل من خلال الرسائل الورقية. ولقد اسهم تطور وسائل النقل في القرن التاسع عشر الى توسيع نطاق الخدمات البريدية الى مسافات ابعد ولاغراض اوسع. ولعل الحدث الابرز في مجال التراسل كان قد حدث في عام 1835 عندما تمكن صموئيل مورس باختراغ جهاز التلغراف. الذي يعمل بطريقة تحويل النبضات الكهربائية الى اشارات رمزية يتم التعامل معها بطريقيتين فقط. اما ان تكون اشارة طويلة ويرمز لها ( - ) او قصيرة ويرمز لها ( . ) . وعليه احتاج مورس الى ابتكار شفره يترجم فيها الحروف الى اشارات تجمع ما بين القصيرة والطويلة. وهو ما عرف بشفرة مورس المبينة في الشكل الاتي :
 
كان على عامل التلغراف، ان يقوم بترجمة الرسالة، والتي يشترط ان تكون قصيرة ومركز من خلال ترجمة حروفها الى رموز على سبيل المثال كلمة [OPEN] تحول حسب شفرة مورس الى الاتي [--- 0--0 0 -0]  وعليه يقوم العامل بالضغط على عتلة الجهاز التي ينتج عنها توصيل كهربائي على شكل نبضة قد تكون قصيرة لا تتجاوز الثانية 0 او طويلة ثلاث ثواني -. ومع ان خدمة التلغراف كانت مكلفة في بدايتها فضلا عن صعوبة نقل رسائل طويلة الا انها حلت مشكلة كبيرة في ما يخص فورية وصول الرسائل. وبعد مرور خمس عقود من الزمن على اختراع التلغراف، تم اختراع جهاز الهاتف.  تحديد عام 1876 ، عندما سجل غراهام بيل براءة الاختراع الخاصة بجهاز الهاتف لينسب اليه هذا الاختراع العظيم الذي غير مسار البشرية وفتح المجال واسعاً امام اختراعات اخرى جعلت من العالم المترامي الاطراف اقرب ما يكون الى قرية صغيرة، وتجدر الاشارة الى مجلس النواب الأمريكي اعترف رسمياً في سنة 2002  بتاريخ 11 يونيو بأن الايطالي انطونيو ميوتشي هو مخترع فكرة الهاتف في قرار المجلس رقم 269. واليوم بفضل جهاز الهاتف اصبح التواصل والاتصال في غاية الجودة والبساطة في ظل التقدم التقني في مجال الكابلات الضوئية والاتصالات اللاسلكية . ولا شك ان فكرة الهاتف هي من اوحى بفكرة شبكات الحاسوب التي اثمرت عام 1969 عن ظهور شبكة الانترنت. وهو العام الذي يؤرخ البداية الرسمية لشبكة الإنترنت، حيث ظهر مشروع أربانت” الذي قدمته وزارة الدفاع الأمريكية من أجل مساعدة وحدات الجيش الأمريكي من التواصل والاتصال مع بعضها في ظل ظروف الحروب واستهداف خطوط الاتصالات السلكية. ويعتقد البعض ان البداية الحقيقية لعصر الإنترنت، يعود الى عقد التسعينات من القرن العشرين، حيث بدأت الشبكة العملاقة في الانتشار حول العالم. و مع بدايات القرن الواحد والعشرين تطورت البنية التحتية للإنترنت والتي اسهمت باحداث تطوراً واضحاً على مستوى البرمجيات والخدمات التي تقدمها شبكة الإنترنت، فتطورت صفحات الإنترنت الثابتة، إلى صفحات ديناميكية تعتمد على لغات البرمجة المختلفة، التي مهدت بدورها الى ظهور جيل جديد من خدمات الإنترنت، فضلا عن الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي. واليوم من الصعب جدا ان تفكر في شي بعيدا عن بيئة الانترنت سواء من خلال الارتباط المباشر بها او بالافادة من خدماتها. وحتى لا نغوص في اعماق الانترنت ونبقى قريبين من التمهيد لموضوع انترنت الاشياء [Internet of Things] الذي نحن بصدد الحديث عنه. نقول ان فكرة المدن الذكية [Smart Cities] قد يتم النظر اليها من وجهات نظر مختلفة. اذ ترى المهندسة. ماريتسا فارجاس. ماجستير اقتصاد بيئي تطبيقي. الى ان بعض الأشخاص يميلون إلى تضييق مفهوم المدن الذكية لاستخدامه لوصف مكان يستفيد بشكل كبير من استخدام تكنولوجيا المعلومات وحصرها بالهواتف الذكية أو البطاقات الذكية ،(ICT)  والاتصالات أو المنازل الذكية أو أي "شيء" ذكي. ويمكن تقريباً اعتبار أية وسيلة إلكترونية لتحسين الحياة الحضرية بأنها مبادرة لمدينة ذكية. وبنفس القدر، فمن الصحيح أيضاً أن وسائل الاتصالات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات تساهم في تحسين أداء المدن بشكل أفضل، ولكن هل تؤدي فعلاً إلى جعل المدينة أكثر ذكاء!؟. مما لاشك فيه ان المدن الذكية، ممكن ان تكون مدناً صممت وأنشئت بطريقة ذكية منذ البداية، أو مدينة تقليدية تم تحويلها تدريجيا إلى مدينة ذكية بالكامل. على الصعيد الشخصي اجد ان الذهاب الى مفهوم المدن الذكية مباشرة ، دون المرور بمفهوم ذكاء الاشياء [Smart of Things] يعد قفزاً على المفاهيم. لان التكنولوجيا الحديثة ومنذ نهايات القرن العشرين ركزت على تطوير الاشياء من حولنا لتكون اكثر طواعية في الاستخدام. على سبيل المثال، جهاز التلفزيون الذي يعد الموجود الحتمي في كل مكان كان للبشر فيه وجود. نلاحظ التحسينات التي ادخلت عليه خلال العقدين الاخيرين خاصة، بدأ من جهاز التحكم عن بعد مرورا بالقدرة على التشغيل والاطفاء الذاتي و كذلك امكانية مراقبة عين المشاهد والدوران معها فضلا عن وجود الاستجابة الصوتية وتحسس حركة الاشياء في الغرفة. هذه الخصائص وغيرها تعد من المنظور التكنولوجي ذكاءً، نتج عنه استخدام اكثر مرونة وبساطة. قس هذه الميزات والخصائص على الكثير من الاجهزة والمعدات والادوات المنزلية التي نستخدمها يوميا. هل علينا ان نسال ربات البيوت عن ذكاء غسالة الملابس التي تتحكم بكل عمليات الغسيل، من لحظة دخول الملابس الى انتهاء دورة الغسيل. مع هذا النوع من الغسالات لم تعد ربات البيوت ملزمات بمراقبة عملية الغسيل طوال وقت الدوران، وانما عليهن فقط تزويد الغسالة بالمسحوق وضبط توقيت التشغيل. كذلك الحال بالنسبة لغسالة الصحون. نعم لم يعد وجود الجهاز هو الرفاهية المنشودة ولكن يجب ان تتمتع الاجهزة بالذكاء المطلوب والقيام بالدور كله من البداية وحتى النهاية. وقد تمتلك انت ايضا امثلة تكون حاضرة في ذهنك عن اشياء اخرى مكنتها التكنولوجيا المتطورة من ان تكون اكثر ذكاءً. اذن ذكاء الاشياء هو ركيزة اساسية من ركائز المدن الذكية. ولان التكنولوجيا والتنافس التجاري لا يقف عند حد، لذا كانت هناك رغبة مستمرة لتطوير ذكاء الاشياء الى ابعد من ما ذكرناه. لا تستغربوا اذ ما طرق شخص ما باب المنزل ليعلن عن نفسه عامل صيانة في شركة صناعة الغسالات مثلا. ولا تستغربوا اذا ما قال لكم هذا العامل لقد تلقيت اشعاراً من غسالتكم بوجود خلل فني وانا هنا لاصلحه!!. او ان عامل التوصيل جاءكم بقطعة بيتزا من الحجم العائلي علما انكم لم تطلبوها، ولا تعجبوا اذا كان جوابه انه تلقى اشعار من ثلاجتكم ان قطعة البييزا الموجودة في ثلاجتكم لم تعد صالحة. ! لنكن اكثر واقعية لقد تقبلنا فكرة ان الاجهزة تمتلك ميزات تكنولوجية تمكنها من انجاز بعض المهام دون تدخل بشري. لكن هل وجدت صعوبة في تصديق ان الثلاجة قد ارسلت اشعار الى محل بيع البييزا وانها تحسست تلف الطعام الموجود فيها. اتفق معك يمكن ان تكون فكرة طلب البييزا صعبة التصديق. لكن هل تعلم ان الشركات المصنعة للثلاجات تعمل الان على تزويدها بتكنولوجيا الترددات الراديوية التي سوف تمكنها من قراءة [Barcode] علب الطعام للتعرف على تاريخ نفاذ الصلاحية..!! وبالتالي تنبه المستخدم عنها. بدأنا نقترب اكثر من مفهوم انترنت الاشياء [Internet of Things]. لناخذ مثل اكثر واقعية وهو السيارة فكلنا يعلم ان السيارات الحديثة مزودة (بعقل) خاص بها وهذا العقل اذا جاز التعبير هو منصة الالكترونية ترتبط بها مجموعة كبيرة من الحساسات [Sensors] الموزعة على اجزاء ومكونات السيارة من حساس العادم الى حساس دوران المحرك. كل هذه الحساسات ترسل اشارات الى المنصة الرئيسية، التي تعرف بالعقل اول باول، وفي حالة حدوث اي خلل، باي جزء، يرسل الحساس اشارة الى العقل يبلغه فيها بالخلل. ليقوم العقل وبشكل فوري بفتح مصباح ضوئي في لوحة القيادة، يبلغ السائق بوجود الخلل لغرض مراجعة ورشة الصيانة. نحن مانزال في ذكاء الاشياء. بالتالي فان الشركات المصنعة للسيارات، كانت تطمح دائما الى التعرف على العطلات الاكثر شيوعا في السيارات التي تنتجها، بغية تحسين المنتج . لذلك عززت بعض الشركات المنتجة للسيارات من قدرة السيارة على ارسال معلومات عن الخلل الذي يحدث في السيارة، ومن خلال تلقي الالاف الاشعارات من هذا النوع يصبح بالامكان التعرف على الاجهزة الاكثر عرضة للعطل. هنا سوف نحتاج لى بيئة تراسلية بين السيارة والشركة المصنعة. ولا شك ان الانترنت يمكن ان تكون البيئة المثالية للتواصل بين هذه الاشياء. فهل هذا يعني، ان الاشياء يمكن ان تفتح فيما بينها خط اتصال عبر شبكة الانترنت، شانها شأن البشر حتى نطلق عليها انترنت الاشياء. لا ياصديقي الانترنت لم تكن يوما غير انترنت الاشياء، لان الاتصال الحقيقي كان يتم بين حاسوبك وحاسوب شخص اخر، وحاسوبك شئ وحاسوب الشخص الاخر شئ ايضا او بين هاتفك المحمول وهاتف شخص اخر. اذن اين الجديد في الموضوع . الجديد هو ان الاشياء سوف يصبح بمقدورها الاتصال مع بعضها البعض عبر الانترنت من خلال بروتوكول الانترنت، بعلم او دون علم الانسان. فضلا عن ان الاشياء يمكن ان تساعد الاشياء وتكملها. كما بات بمقدور الانسان التحكم بالاشياء عند بعد من خلال الاتصال المباشر مع الجهاز في اي مكان في العالم.
اذن اذا كانت الاشياء من حولنا تعمل بتكنولوجيا تمدها بذكاء خاص بها، وهذه الاشياء، لها القدرة لانجاز المهام والوظائف دون تدخل البشر، فضلا عن امكانية التواصل مع بعضها البعض من خلال الانترنت، او تعطي البشر الفرصة للتحكم بها من خلال الاتصال بشكبة الانترنت. عندها سوف نكون في المدينة الذكية التي نتصورها كالاتي : في بيتك ساعة المنبه تدق الساعة السابعة صباحا كما طلبت انت، لتوقضك من النوم. وترسل اشارة الى السخان الكهربائي لتسخين ماء الحمام. ومع دخولك للحمام يعدل الدش درجة الحرارة التي تتناسب مع درجة حرارة الجو. وعند قضاء الحاجة يحلل مقعد التواليب المخلفات لتقيم وضعك الصحي. ويمكن ان يرسل اشعار الى الطبيب الذي تتعالج عنده في حال وجود ما يتطلب ذلك. عند الخروج من الحمام خزانة الملابس ترشح لك الملابس التي تلائم الجو في الخارج وترسل اشعار الى ماكنة صناعة القهوة لتحضير فنجان القهوة. واثناء شربك للقهوة تنبهك ساعتك الى جدول المواعيد ويمكن ان تقوم بتشغيل السيارة عن بعد وما ان تصعد السيارة تعرض لك السيارة خارطة طريق الى مكان العمل بالتنسيق مع اخبار الطرقات. وفي حال تاخرك عن الوقت المحدد، ترسل السيارة رسالة الى مقر عملك، تبلغهم باحتمال تاخرك عن العمل او تعدل جدول مواعيدك. وفي الطريق يمكن من خلال جهاز هاتفك ان تسدد فواتير الكهرباء وتحجز تذكرة طائرة . فضلا عن قيام هاتفك المحمول بتقيم لياقتك البدنية في حال حاجتك الى الذهاب الى المراكز الصحية للمارسة الرياضة التي سنكون بامس الحاجة لها. ولا تقلق على منزلك من حوادث الحريق او السرقة لان المنازل ستكون ذكية ايضا في المستقبل. لان المستقبل هو للمدن الذكية. حتى حاوية النفايات يصبح بمقدورها ارسال اشعارات الى سيارات جمع النفايات في حال وصول النفايات الى الكمية المقررة او درجة التحلل. ان ابرز تطبيقات انترنت الاشياء هي تلك الموجودة الآن في الطائرات والقطارات و السفن التجارية وسفن الشحن فضلا عن اجهزة المستشفيات و منظومات الدفاع المدني. فلا تقلق انت تعيش في مدينة ذكية. اما انا واثناء كتابتي لهذا المقال كنت اتطلع الى صوت بائع الغاز الذي نفذ منا اليوم دون ان تشعرنا الانبوبة بانها سوف تنفذ يبدو اني نسيت انني لا زال اعيش في مدينة غبية.

هناك 4 تعليقات:

  1. موضوع جميل دكتور اعتقد انه في المستقبل سوف تتم قيادة الانسان بواسطة الالة / وليس الانسان من يقود الالة..
    انا متشوق لثلاجة البيتزا.

    ردحذف
  2. احسنت دكتور اسال اذ كنت قدمت ندوة عن انترنت الاشياء كيف يمكنني الحصول عليها او على البوربوينت الخاص بها

    ردحذف
  3. مقال جيد جدا دكتور لتوضيح وتبسيط مفهوم أنترنت الاشياء

    والعبارة الأخيرة أضافت نكهة للمقال و حملتنا إلى الواقع الذي تعيشه أغلب المدن و جعلتني أنا شخصيا أتسال كم الوقت نحتاج لنصل بمدننا إلى هذا المستوى المميز والمتقدم حقا من الذكاء ؟

    ردحذف
  4. موضوع العصر بالتوفيق كيف لي الحصور على الندوة كاملة

    ردحذف