تلوث المعلومات من منظور تكنو-تاريخي - الدكتور طلال ناظم الزهيري

السبت، 1 فبراير 2020

تلوث المعلومات من منظور تكنو-تاريخي

الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ نظم استرجاع المعلومات 
الجامعة امستنصرية
مجلة المركز العربي للبحوث والدراسات في علوم المكتبات والمعلومات
المجلد السابع - العدد الثالث عشر - 2020
لا شك ان كل منا، كان قد تعرض في يوم من الايام الى التضليل، للدرجة التي جعلتنا نتقبل او نتفاعل مع المعلومات التي تنشر ورقيا او رقمياً على الانترنت، من خلال المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، ولعل هذا النوع من التضليل كان قد اخذ عند البعض منحى خطير على مستوى العلاقات الاجتماعية والاسرية.واخطر من ذلك يمكن ان يُحدث شرخاً في العلاقات على مستوى ابناء البلد الواحد او الدين الواحد.

حتى ان الكثير من النزاعات والخلافات الداخلية، كان سببها الرئيس انتشاراً  لمعلومات مضللة، تروج لها اجهزة وقنوات خارجية تهدف الى زعزعة الاستقرار والسلم الاهلي في هذا البلد او ذاك. ولا تخلو اليوم، دور العدالة والمحاكم من قضايا سببها الرئيس ما نشر على الانترنت من معلومات. بالتالي تهدف هذه الدراسة الى الكشف عن الدوافع الحقيقية لعملية تزييف المعلومات ومن يقوم بها وما هي مبررات الجهات التي تققف وراء هذه العمليات. كما تهدف الى الكشف عن الطرق الشائعة في عملية تزييف المعلومات و تاثير المعلومات المزيفة على المجالات العلمية والاجتماعية والدينية فضلا عن الاقتصادية.  انطلاقا من حقيقية جوهرية مفادها ان الانترنت اصبحت عالم مثالي يلتقي فيه العالم والجاهل الكبير والصغير الطيب والشرير الحكومات والافراد وتدار من خلالها السياسات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية للدول والبلدان ويتواصل من خلالها بلايين البشر بغض النظر عن العرق واللغة والدين. بالتاكيد هي عالم مثالي لاصحاب النوايا الطيبة لنشر ثقافة التسامح والعدالة والقيم الانسانية و كل ما يخدم الانسانية، وهي في الوقت نفسه عالم مثالي لاصحاب الاجندات الشريرة في الترهيب ونشر ثقافة الكراهية والعنف والتفرقة.
ان المعرفة البشرية تمر خلال مراحل تطورها بدورة تكاملية غير منتهية تقترب من مفهوم دورة المياه في الطبيعة. وعليه يمكن القول ان الركيزة الاساسية للمعرفة تبدأ مع البيانات وتمر بالمعلومات لتنتهي الى المعرفة المعلنة لتكون ذاتها مصدرا لبيانات جديدة. بالتالي فأن التلوث الذي يمكن ان يحدث في اي مرحلة من مراحل تطور المعرفة سوف ينتقل تلقائيا الى المرحلة اللاحقة. ان البيانات غير الدقيقة هي بالنتيجة تتحول الى معلومات مضللة للتحول لاحقا الى معرفة تحمل في طياتها الكثير من الشك والريبة. ولعل اخطر ما في موضوع تلوث المعلومات هو عندما تتحول الى حقائق متناقضة يصعب التراجع عن الايمان المطلق بها، بالتالي فأن الصراعات البشرية على مدى التاريخ كان محركها الاساسي هو وجود اختلاف جوهري في مضمون الحقيقية التي يؤمن بها هذا المجتمع عن ذاك. و تجدر الاشارة الى ان التراجع عن الايمان بالحقيقية من منظور المجتمع الذي تعيش فيه يمكن ان يجعل منك مرتدا تستحق الرجم والعقاب. بالتالي فأن اعادة تمثيل المعرفة البشرية و تنقيتها من الملوثات لم يعد أمرا ممكنا في ظل تمسك الجميع بمورثهم الفكري والعقائدي فضلا عن وجود آلية مستمرة لتعميق التناقض والخلاف تتبناها مؤسسات ومنظمات وحكومات لاهداف وغايات مختلفة. ولعل اقصى ما يمكن ان نفكر فيه اليوم هو كيف يمكن ان نحد من هذا التلوث في المعلومات على الاقل تلك المعلومات التي لها تماس مباشر بحياة الانسان.
وفي ضوء ما تقدم يمكن ان نخرج بمجموعة من الاستنتاجات التي نجملها في الآتي:
1.    تلوث المعلومات كظاهرة كان حاضرا مع بداية تسجيل المعرفة البشرية وتطور بتطور ادواتها واوعيتها.
2.    التلوث بمختلف اشكاله وانواعه هو في مضمون المعرفة بغض النظر عن شكل ونوع الاتاحة سواء كانت ورقية أم رقمية.
3.    تلوث المعلومات يمكن ان ينتج عن اخطاء بشرية غير مقصودة او عن طريق سياسية ومنهجية تتبناها منظمات او حكومات لغايات مختلفة.
4.    الانترنت اسهمت في تنامي ظاهرة تلوث المعلومات لتنوع ادواتها و وسائط بث المعرفة البشرية من خلالها.
5.    حرية النشر على الانترنت كانت عامل مساعد على تعميق الاختلافات الفكرية والعقائدية والذي كان تلوث المعلومات اهم ادواتها.
6.    المصادر التاريخية كانت الاكثر تلوثا خاصة وان مفهوم الحياد في السرد التاريخي لم يكن حاضراً الا في حدود ضيقة جداً.
7.    لا يزال موضوع التلوث الناتج عن التباين والاختلاف الديني والعقائدي بين الشعوب الاكثر خطورة مقارنة مع غيره من الموضوعات.
8.    شبكات التواصل الاجتماعي بيئة مثالية لتنامي ظاهرة تلوث المعلومات خاصة وان رواد هذه المواقع في الغالب من الطبقات الاجتماعية التي تتباين في مستوى التعليم والثقافة.
9.    الحد من التلوث او تنقية المعرفة البشرية من ملوثاتها في ظل الظروف الراهنة مهمة شبه مستحيلة، واقصى ما يمكن ان نصل له هو في محاولة تجاهلها او عدم الخوض فيها خاصة في الجوانب التاريخية والعقائدية.
سيبقى تلوث المعلومات حاضرا في مختلف المجالات الموضوعية وبدرجات متفاوته نسبيا طالما كان البشر مختلفين في ثقافاتهم وميولهم الفكرية والعاقائدية .   
...............
الدراسة منشورة كاملة في مجلة المركز العربي للبحوث والدراسات في علوم المكتبات والمعلومات. المجلد السابع - العدد الثالث عشر - 2020

هناك 3 تعليقات:

  1. تلوث المعلومات..ظاهرة تستحق الوقوف عليها والتفكير في كيفية الحد منها.. شكرا الف شكر استاذنا الغالي على البحث القيم والرائع..ولفت النظر إلى هذا الموضوع ومستجداته..وكيفية معالجته..تحية وتقدير

    ردحذف
  2. هل الانتىنت السبب الرئسي وراء تلوث المعلومات ام هناك اسباب اخرى

    ردحذف