التعليم عن بعد و التعليم الالكتروني نمط جديد ام اعادة توصيف لنمط قديم - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الثلاثاء، 31 مارس 2020

التعليم عن بعد و التعليم الالكتروني نمط جديد ام اعادة توصيف لنمط قديم


الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ نظم استرجاع المعلومات

لا شك ان الظروف الراهنة للعالم وما يمر به تداعيات بسبب انتشار فيروس كورونا كان لها تاثيرات مباشرة على مناحي وقطاعات الحياة كافة، و لعل من ابرز تلك التاثيرات هي تعطيل المدارس والجامعات بشكل كامل. الأمر الذي دفع المؤسسات التعليمية الى البحث عن بديل يضمن استمرار الدراسة فيها الى حين انفراج الأزمة. لذا بادرت معظم البلدان الى تبني فكرة التحول من النظام التعليمي التقليدي القائم على الاتصال المباشر بين الطالب والمعلم دخل المؤسسة التعليمية سواء اكانت مدرسة ام جامعة. الى نظام آخر يختلف في مفهومه وآلية تطبيقه من بلد الى اخر، يسميه البعض التعليم الالكتروني [E-Learning] و يحلو للبعض الآخر تسميته بالتعليم عن بعد[Distance Learning]. ومع ان كل نمط من هذا الأنماط التعليمية له اهداف وغايات و أدوات ومبررات تختلف عن الآخر لكننا نجد ان عدد كبير من الاساتذة والمعنيين بالعملية التعليمية يعرفون كل نمط بدلالة الآخر. وكانهما شي واحد. بالتالي نحاول في هذه المقالة ان نوضح اوجه الاختلاف بينهما :
 
التعليم عن بعد : ابسط تعريف لهذا النمط هو: ان عملية التعليم تتم خارج المؤسسة التعليمية او بعيد عنها، بمعنى لا يوجد اتصال مباشر بين المعلم والمتعلم. السؤال الان ما هي الظروف التي تدفع بأتجاه التعليم عن بعد.؟ في الحقيقة المراجعة للوقائع التاريخية تشير الى ان هذا النمط ظهر في بريطانيا واستراليا بدايات القرن العشرين، مع وجود مؤشرات على ظهوره باشكال مختلفة في امريكا ايضا. في بريطانيا على سبيل المثال والتي توسعت في مستعمراتها حتى لم تعد تغيب عنها الشمس! الامر الذي ادى الى  انتشار رعاياها على مساحات شائعة وانتقلت الكثير من العوائل البريطانية للعيش في تلك المستعمرات ولمدة طويلة نسبيا، بالتالي ولضمان استمرار افراد الاسرة من الصغار الى مواصلة الدراسة تم تصميم مناهج تعليمية خاصة تتضمن قسمين: الاول هو ارشادات وتعليمات تدريس المنهج حتى تتمكن الأم او الأب من القيام بدور المعلم، والقسم الثاني هو المادة الموضوعية . وكانت الاختبارات تتم في الملحقيات الثقافية لبريطانيا في تلك البلدان في اوقات محدد من السنة. لا حقا قامت بريطانيا بتاسيس مدارس لها في تلك البلدان ليلتحق بها رعاياها من البريطانيين. اما في استراليا فالاسباب تختلف. اذ فرضت ظروف انتشار العوائل في مناطق جغرافية متباعدة وباعداد محدودة نسبيا الى صعوبة بناء مدرسة في كل مكان مع الأخذ بنظر الاعتبار ان وجود ثلاث او اربع عوائل في منطقة نائية لا يبرر فتح مدرسة وتوفير مستلزماتها وكوادرها. بالتالي ابتكروا طريقة تشترك مع النمط البريطاني في المفهوم وتختلف في التطبيق. اذ كان الطلاب الساكنين في المناطق النائية يتم تسجيلهم في اقرب مدرسة عن محل سكناهم، ومفهوم الاقرب هنا قد تبعد 100 ميل او اكثر. ويتم تزويدهم بالمقررات والمناهج التعليمية للمرحلة الدراسية والتي تتضمن ايضا ارشادات ومنهجية تدريس كل مقرر. لكن الشي المختلف هنا هو وجود محطة اذاعية تعليمية تبث برامجها على ترددات قصيرة لتغطي مساحات شاسعة وفي توقيتات محددة ولكل مرحلة دراسية ليكون الطالب بتواصل مباشر مع المعلم من خلال المذياع. عندها لا يحتاج الطالب الى الذهاب الى المدرسة التي سجل فيها الا في ايام الاختبارات. هاتان التجربتان، في الواقع هما افضل مثال لمفهوم التعلم عن بعد. اما على المستوى الجامعي الامر يختلف اذ ظهرت بعض الجامعات الافتراضية التي اطلقت برامج التعليم عن بعد من خلال التسجيل فيها واستلام مقرراتها اما ورقيا او على شكل اقراص و تسجيلات فيديوية، ومع ظهور الانترنت بدأ الامر يتم من خلال مواقع الالكترونية. وبالمناسبة ان هذه الآلية لا تختلف كثيرا عن فكرة التعلم الذاتي الا في الشهادة، لهذا نجد ان هذا النوع من التعليم لا يعترف بشهادته في الغالبية العظمى من دول العالم، علما ان اغلب من يلتحق ببرامج التعليم في مثل هذه الجامعات  غالبا ما يبحث عن وضع اعتباري فقط. و وفقا لهذا المفهوم لا يمكن ان نصف ما يجري الان في الجامعات العالمية والذي فرضته ظروف انتشار فيروس كورونا على انه تعليم عن بعد.
التعليم الالكتروني : من وجهة نظري. لا يوجد آلية أو نمط تعليمي حاليا في اي دولة من دول العالم يمكن ان نطلق عليه (التعليم الالكتروني!). وقبل ان القى بحجر! دعوني اوضح الفكرة. لو نراجع معاً كل التعاريف التي توضح مفهوم التعليم الالكتروني ستجد انها تجمع على انه نظام التعلم القائم على التدريس الرسمي ولكن بمساعدة الموارد الإلكترونية. أو أنه نقل شبكي للمهارات والمعارف لعدد كبير من المتعلمين في نفس الوقت أو في أوقات مختلفة. بالتالي فأن توظيف الأدوات و الموارد الالكترونية في نظام التعليم التقليدي القائم حاليا لا يبرر في اي حال من الاحوال ان نميزه بانه تعليم الالكتروني، لان الأدوات و الوسائل التعليمية من مجسمات و سلايدات و تسجيلات صوتية وفيديوية كانت حاضرة منذ المراحل الأولى لظهور المؤسسات التعليمية الرسمية، وغالبا ما كان ظهور اي جهاز او وسائط تسجيل حديثة تدفع المؤسسات التعليمية الى الاسراع في استثمارها بالعملية التعليمية . بالتالي لم يخطر ببالنا يوماً ان نطلق على التعليم الذي نستخدم فيه البث التلفزيوني في نقل المهارات والمعارف على انه )تعليم تلفزيوني(، ولم نصف التعليم الذي يتم فيه نقل المهارات والمعارف من خلال اشرطة الفيديو على ان )تعليم فيديوي( او تعليم اذاعي...الخ. اذن لماذا عندما تم استثمار الانترنت و الموارد الرقمية في التعليم قلنا عنه )التعليم الالكتروني). ان دلالة المفهوم وآلية تطبيقه لا تبتعد في اي حال من الاحوال عن مصطلح تكنولوجيا التعليم [Educational Technology]. لكن يبدوا ان جمالية المصطلح [E-Learning] لها وقع وتاثير فعال يدفع الكثيرين الى استخدامه.
اما التعليم الالكتروني الذي افهمه فهو نقل قواعد المعرفة  من الآلة (الحاسوب) الى الانسان مباشرة وهذا يمكن ان يحدث مستقبلا في حال حدث تطور حقيقي في تطبيقات الذكاء الصناعي [Artificial intelligence] مع هذا وبالرغم من ان الطرح هو نوع من الخيال العلمي الا ان افضل تطبيق ودلالة على مفهوم التعليم الالكتروني هو ذلك الذي ظهر في سلسلة افلام ماتركس [The Matrix] عندما كان بالامكان تغذية الدماغ البشرية بالمهارات والمعارف من خلال تحميلها من مواردها. اذن لو حدث هذا فعلا! فأي دور يعود للمؤسسة التعليمية طالما كان بامكان اي شخص ان يصبح ما يريد.
            وحتى يحدث هذا الامر نعود الى اصل الموضوع، وهو ان ما يحدث الآن في المؤسسات التعليمية في العالم لا ينطبق عليه في اي حال من الأحوال وصف (التعليم عن بعد). اذ ان مشاهدة الاستاذ صوت وصورة في الوقت الحقيقي وتفاعله مع الطالب من خلال شاشة الحاسوب لا تختلف نهائيا عن وجودهما معا في قاعة الدرس. كذلك لا ينطبق عليه وصف (تعليم الالكتروني) خاصة  وان توجيه الاستاذ للطالب الى الرجوع الى مصادر وكتب موجودة في المكتبة لا تختلف عن توجيه الطالب للرجوع الى موارد الالكترونية في بيئة الانترنت. نخلص الى القول: ان النظام التعليمي العالمي قبل كورونا كان نظام تقليدي معزز بالادوات و الموارد الالكترونية. ولا زال بعد كورونا هو كذلك بفارق ان واقعة الاتصال المباشر بين الاستاذ والطالب انتقلت من الصف الى شاشة الحاسوب. وعليه لا داعي للخوض في مسالة الاعتراف او عدم الاعتراف طالما ان المنظومة التعليمية المتكاملة لازالت قائمة بالاضلاعها الرئيسية الاربع (المؤسسة والاستاذ والطالب و المنهج). وتجدر الاشارة الى ان ما نعمله اليوم في جامعاتنا العراقية من خلال الاستعانة ببعض التطبيقات والمنصات لاغراض التعليم سبقتنا اليه دول كثيرة حتى قبل ظهور فيروس كورونا. وسوف نستمر عليه حتى بعد انتهاء ازمة كورونا.

هناك تعليقان (2):

  1. سلام عليكم استاذ فكم نحن اليوم بحاجة الى التعليم الالكتروني او التعلم عن البعد كطلبة نظرا للظروف التي تمر بيها البلاد والعالم باسره لكننا كدول عالم ثالث لانستطيع تطبيق هذا النظام وذالك لنقص الامكانيات فقد تمت المحاولة من قبل جامعات لكنها فشلت

    ردحذف
  2. بما ان هذه الازمة اجتاحت العالم بشكل مفاجئ وسريع،ومازالت حيثيات مداها الزمني ضبابية ،فان الانظمة التعليمية لم تطور بعد نموذجا مثاليا لمواجهتها،وهذا يتطلب إضافة الى التشاركية درجة عالية من المرونة والقدرة على التكيف بحيث يبقى زخم التعليم مستمرا.
    لذلك لابد ان نكون على اتم استعداد للمحافظة على ان يبقى للتعليم اولوية لاتقل عن اولوية الصحة والسلامة المنشودة لمواجهة التحديات ومواكبة التطورات الحديثة في تقنيات التعلم والتعليم التي ستصبح في العاجل القريب من بديهيات الحياة التعليمية،وتسهم في بناء مدرسة المستقبل القائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية

    ردحذف