المعنى الحقيقي للـ Folksonomy - الدكتور طلال ناظم الزهيري

السبت، 28 مايو 2016

المعنى الحقيقي للـ Folksonomy




 

الدكتور طلال ناظم الزهيري

استاذ المعلومات في الجامعة المستنصرية


مع بداية الفهارس البطاقية، ظهرت الحاجة الى التوسع في توفير مفاتيح استرجاع، تمكن المستفيد من الوصول الى بيانات مصادر المعلومات على اختلاف انواعها. اذ لم يعد عنوان المصدر او اسم مؤلفه كافياً لتحقيق وصول سريع وسهل، خاصة بعد تنامي حاجات المستفيدين الى المعلومات الموضوعية بغض النظر عن مصادرها. ان حاجة الباحثون الى
الكتاب ككيان مادي متكامل تضاءلت، أمام حاجتهم الى المعلومات. بالتالي لم يعد عنوان العمل او مؤلفه تكفي لتعريف المستفيد بالمحتوى الموضوعي للمصدر. لذا فكر المفهرسين بالبحث عن مفاتيح استرجاع جديدة تضاف الى العنوان والمؤلف وترتبط ارتباط وثيق بموضوع المصدر. وهذا ما تحقق فعلا من خلال تعيين كلمات مختارة بعناية للتعبير عن الموضوع وهو ما اصطلح عليها لاحقا ( رؤوس الموضوعات). [Subject headings] التي يمكن تعريفها على انها عبارة عن مصطلحات يتم تعيينها من قبل المفهرسين بالاعتماد على النص الكامل للمصدر والتي يراد منها الاحاطة الشاملة بالموضوع آخذين بنظر الاعتبار تمثيلها لكامل المحتوى. وعليه تم تقسيم الفهارس البطاقية الى ثلاث اقسام وهي فهرس المؤلفين الذي يتم ترتيب بطاقته حسب التسلسل الهجائي لاسماء المؤلفين، وفهرس العناوين المرتب حسب التسلسل الهجائي للعناوين، واخيراً فهرس الموضوعات الذي يرتب حسب التسلسل الهجائي لرؤوس الموضوعات.
        ومع الاقرار ان هذه الطريقة اسهمت في تحقيق رضا عام للمستفيدين، الا انها سرعان ما افرزت مشكلة حقيقية اسهمت في تشتت مصادر المعلومات. وهذه المشكلة يمكن التعبير عنها بالآتي :
1. واجه المفهرسون صعوبة في اختيار رؤوس موضوعات دقيقية لموضوعات بعيده جدا عن تخصصاتهم ومهاراتهم العلمية.
2. حرية تعيين رؤوس الموضوعات من قبل المفهرسين ادت الى وجود تباين واختلاف في التعبير عن الموضوع للمصدر نفسه من مكتبة الى اخرى، او من مفهرس الى اخر، تبعا لاجتهاداتهم الشخصية.
بالتالي بحث المختصين في مجال المعلومات والمكتبات، عن آلية تمكنهم من تجاوز هذه المشكلة. فكان الاتفاق على التوحيد القياسي للمصطلحات الموضوعية، الذي أذنَ بظهور ما يعرف بقوائم رؤوس الموضوعات [Subject Headings Lists]. وهي عبارة عن قائمة معيارية يتم من خلالها التحكم بالصيغة الكتابية للمفردات والمصطلحات الموضوعية، سواء كان في حدود موضوعات محددة ( قوائم رؤوس الموضوعات المتخصصة)  او شاملة ( قوائم رؤوس الموعات العامة). بالتالي لم يعد باب الاجتهاد مشرعا بالكامل امام المفهرسين، لتعيين رؤوس الموضوعات، اذ انحسر اجتهادهم في اختيار رؤوس الموضوعات الأقرب لموضوع المصدر من خلال الرجوع الى تلك القوائم المعيارية.
     لا شك ان القواعد المعيارية، والاتفاق على الصيغ الموحدة، كان في صالح المستفيد النهائي. بالتالي سارعت الكثير من الافراد والمؤسسات الى بناء قوائم رؤوس موضوعات عامة او متخصصة وبمختلف اللغات. ليتم الاعتماد عليها في مؤسسات المكتبات. وعلى صعيد العالم العربي ظهرت مجموعة من القوائم التي لاقت قبولا من معظم المكتبات العربية لتوظيفها في هذا المجال ومن ابرزها :
·        قائمة رؤوس الموضوعات العربية . إبراهيم احمد الخازندار
·        قائمة رؤوس الموضوعات العربية . زاهدة إبراهيم .
·          قائمة رؤوس الموضوعات العربية الكبرى ، شعبان عبد العزيز خليفة .
·        قائمة رؤوس الموضوعات العربية الموحدة . المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .
        وطبعا هناك العديد من القوائم على تنوع اللغات والبلدان.
        لكن مع مرور الزمن وتنامي نشر البحوث والدراسات العلمية في المجلات والدوريات العالمية، للدرجة التي فاقت ما ينشر من الكتب والاعمال المنفردة الاخرى. فضلا عن التطورات السريعة في المجالات العلمية وانشطار التخصصات الموضوعية و ظهور تخصصات جديدة، ألزم ناشري قوائم رؤوس الموضوعات على تحديث قوائهم بشكل مستمر، لاستيعاب المستجدات من المصطلحات في المجالات العلمية المختلفة. هذا الواقع الجديد، مضاف له اشكالية اخرى بقيت قائمة حتى مع وجود القوائم الموضوعية، الا وهي الصعوبة التي واجهها المفهرسين في اختيار رؤوس الموضوعات التي تعبر بدقة عن نتاجات موضوعية بعيدة كل البعد عن تخصصاتهم. حتى مع محاولة بعض المكتبات الكبيرة على توظيف مختصين في مجالات موضوعية محددة لمساعدة المفهرسين على اتمام هذه المهمة. هذا الامر ساعد على ابتكار اسلوب جديد لتعيين كلمات رؤوس الموضوعات من خلال اشراك المؤلفين في عملية الاختيار، من منطلق ان كاتب المقال هو الاقدر على اختيار ما يلائمه من رؤوس موضوعات. اذ ظهرت الى الوجود فكرة كلمات المؤلفين المفتاحية. [Author Keywords]. بشكل خاص مع البحوث والدراسات والمقالات التي تنشر في الدوريات. وهذه الكلمات هي عبارة عن مصطلحات غير مقيسة بمعيار محدد،  يختارها مؤلف العمل للتعبير عن المحتوى الموضوعي له. وغالبا ما تلحق بمستخلص المقالات.
        وتجدر الاشارة الى ان هذه الطريقة وجدت نفسها بين موقفين متناقضين الاول تحفط عليها لاعتبارات عدم ضبط تلك المصطلحات وترك المؤلف يعبر عنها بطريقته سوف تؤدي الى تشتت النتاج الفكري. والموقف الاخر شجع عليها لاعتبارات ان المؤلفين هم أعلم بالجوانب الموضوعية للعمل والاقدر على اختيار المصطلحات التي تعبر عنه بدقة.  وبين هذين الموقفين ظهر موقف ثالث اكثر موضوعية وهو الدمج ما بين اختيارات المؤلف للمصطحات غير المقيدة بمعايير عالمية، مع اختيارات المفهرس المقيدة. وعليه تم اختيار رؤوس موضوعات مقيدة للتخصص العام والدقيق للبحث او الدراسة، مضاف لها الكلمات المفتاحية التي يختارها المؤلف. بهذه الطريقة حققت نظم استرجاع المعلومات سواء التقليدية منها أم الآلية توازن ما بين الدقة و الشمول.
         ومع ظهور الانترنت بوصفها البيئة المثالية لنشر وتداول المحتوى الرقمي . ظهر الحاجة الى تطبيق تلك المبادئ في المجال الرقمي. لكن يبقى السؤال كيف..؟ .
لناخذ المثال الآتي . قد ترغب في انشاء قناة خاصة بك على موقع [YouTube] . او مدونة على [Google Bloggers] او تطور موقع بالافادة من نظم ادارة المحتوى. او اي شي اخر متاح من خلال تطبيقات [WEB.02]. بالتالي سوف تكتشف ان مطوري هذه المواقع اليوتيوب على سبيل المثال، يطلب اليك ان تضع تصنيف عام لمقطع الفيديو التي تنوي نشره. وهنا يقدم لك قائمة مختصرة بالتصنيفات الموضوعية. مثل (التعليم، الصحة، الرياضة، الهندسة، التكنولوجيا، المعلومات...الخ). عليك ان تختار التصنيف الذي تعتقد ان مقطع الفيديو الذي تنوي نشره يقع في مجاله. هنا تم ضبط العملية باختيارات مقيدة. وهي حالة مماثلة لإختيار رأس للموضوع من قائمة رؤوس الموضوع التي تعتمد عليها مؤسستك. هذه ليست نهاية القصة . لان مطوري المواقع لم يغب عنهم ان يتركوا لك هامش من الحرية في وصف مقطع الفيديو الخاص بك بكلمات ومصطلحات من اختيارك انت. هذه العملية اطلقوا عليها [TAGING] التوسيم، مفرد الاسم [Tag]  الوسم. وهو عبارة عن مربع نص يتيح لك ادراج عدد من المصطلحات التي تعتقد انها تحيط بتفاصيل موضوع مقطع الفيديو. بالتالي سوف يكون لدينا طريقتين لتنظيم البيانات في البيئة الرقمية. الاولى منضبطة وملزمة بالاقتراحات التي يقدمها المطورين ( ناشري المواقع) وفقا لقواعد ومعايير عالمية معتمده. والثانية هي طريقة المستخدم (ناشر مقطع الفيديو) التي لا تخضع الى اي قواعد فقط ما يعتقد به هو. على سبيل المثال قمت بنشر مقطع فيديو يتضمن اهداف نادي برشلونة على نادي ريال مدريد. بالتالي عليك ان تقرر اين يمكن ان تصنف مقطع الفيديو هذا. الجواب سهل جدا. وهو اختيار صنف(الرياضة) من بين الاقتراحات التي قدمها لك المطورين. لكن الرياضة تشمل العاب كثيرة جدا. بالتالي عليك الرجوع للمكان المخصص لادراج تصنيفاتك الشخصية. اكيد سوف تكتب وسم (كرة القدم). هذه ايضا لا تساعد لان مقطع الفيديو هذا سوف يصنف مع ملايين المقاطع الاخرى التي موضوعها كرة القدم. عندها يمكن ان تضيف وسم اخر بفاصل علامة الفارزة وهو ( الدوري الاسباني). الان انت قربت المسافة لكنها لاتزال بعيدة في حدود الموضوع العريض، عليك ان تضيف ايضا وسم ( نادي برشلونة) ثم وسم (نادي ريال مدريد) ولا باس من ان تذكر (2009) لان المواجهات بين الناديين تمد على مدى عقود من الزمن. وحتى تغيظ جمهور الريال يمكن ان تكتب (6-2) بالتالي سوف تسهم في تنظيم البيانات بطريقة تسمح لمحركات البحث استرجاعها بدقة عالية.( اكيد عرفتم انني من مشجعي البرشا)
        كنا في مقال سابق قد تكلمنا عن طريقة تنظيم البيانات وفقا لمصطلح التصنيف [Taxonomy]. الذي عرفناه على انه نظام تصنيف لتنظيم وترتيب وتجميع الاشياء وفقا لخصائصها المشتركة وصفاتها المتشابة وعلاقاتها الطبيعية. والتعبير عنها بمفاهيم ومصطلحات ثابته ومقيسة. وهو ما ينطبق على طريقة المطورين. فماذا يمكن ان تكون عليه طريقة الناشرين (المستخدمين). هي ما يصطلح عليه [Folksonomy]. والمعنى اللغوي له يتكون من  مقطعين Folk+Taxonomy والتي تعني تصنيف القوم او الناس. واصطلاحاً يعني نظام يتيح للمستخدمين توسيم منشوراتهم، بالمصطلحات والكلمات المفتاحية التي يعتقدون بانها تعبر عن موضوع المحتوى الرقمي الخاص بهم، وفقا لاجتهاداتهم ورغابتهم الشخصية وخبراتهم الموضوعية. بالتالي [Folksonomy] يمكن وصفها بانها مرادف [Author's Keywords]  لكن في البيئة الرقمية. مع التاكيد على ان هذه الطريقة شأنها شأن مرادفتها. تعرضت الى النقد بسبب سوء استخدامها من قبل بعض المستخدمين الذي ينشرون لاغراض تجارية. اذ من عيوب هذه الطريقة انها غير خاضعة لاي رقابة او متابعة او حتى تدقيق. لذا قد يلجأ بعض المستخدمين الى توسيم منشوراتهم بكلمات مفتاحية لا علاقة مباشرة لها بمحتوى المنشور. مدفوعين برغبة زيادة عدد مرات المشاهدة لمقطعهم الفيديوية او منشوراتهم. خذ على سبيل المثال ان تقوم بنشر مقطع فيديو تحاول من خلاله ان تروج لفكرة او سلعة معينة. بالتالي تتابع اي الموضوعات التي عليها حركة مرور عالية في الانترنت او ما يعرف [Traffic] ، وهي عبارة عن موضوعات تحضى بمتابعة جمهور واسع . مثلا ( سقوط الطائرة المصرية) او (معركة الفلوجة). على اعتبار ان هذه الموضوعات الاكثر تداولا في مواقع الانترنت. وعليه من السهل جدا ان تضيف وسوم مثل ( حادث سقوط الطائرة المصرية) او (معركة الفلوجة ضد داعش) او (تفجيرات بروكسل )...الخ . مع التاكيد ان هذه الوسوم لاعلاقة لها بمقطع الفيديو. بالتالي محركات البحث سوف تصنف موضوع المقطع وفقا تصنيفات عديدة منها طبعا الوسوم التي وسمت بها المقطع. السؤال ما هي الفائدة التي يتواخاها ناشر مقطع الفيديو.؟ الجواب هو ان مقطع الفيديو سوف يظهر في نتائج البحث عن موضوع سقوط الطائرة او اي من الوسوم الاخرى التي ذكرناها. فضلا عن انشاء علاقة بينه وبينة المقاطع الحقيقية لهذه الموضوعات وان كانت العلاقات بين الوسوم تكون ابعد من تلك التي تنشأ عن العنوان والتصنيفات المقيسة. اما الجانب الايجابي هو قدرة المستخدم على اضافة مفاتيح استرجاع عديدة، يمكن من خلالها اثراء عمليات البحث فضلا عن السماح لمحركات البحث بناء سلسلة من العلاقات الموضوعية التي يفاد منها تقديم مقترحات بحثية للمتصفحين.
        هل لاحظت وانت تبحث عن جريدة الصباح العراقية ظهور مجموعة من الصحف العراقية الاخرى في نهاية البحث تحت مسمى موضوعات ذات علاقة. هذه النتيجة هي بسبب ادراج وسم (صحيفة عراقية) الذي جمع كل صحيفة وسمت بهذا الوسم كموضوع مرشح للمتصفح. وهي اهم ايجابيات [Folksonomy]. وفي الختام نحاول ان ننوه الى خطأ شائع في النتاج الفكري العربي خصوصا في تفسير معنى المستخدمين عند الحديث عن طريقة التصنيف هذه اذا يذهبون الى المتصفحين. وهنا نصحح المعنى ان هناك ثلاث فئات من المستخدمين . الاولى هم المطورين المسؤولين عن تطوير  واطلاق المواقع وهؤلاء غالبا ما يرتبط دورهم بمصطلح [Taxonomy]. مثل (مارك زوكربيرغ) مطور موقع [Facebook] وهناك مستخدم ناشر للمحتوى الرقمي الذي يرتبط دوره بمصطلح [Folksonomy] مثل (طلال الزهيري) وهناك متصفح وهو انت!. عليك ان تنعم بما يقدم لك من معلومات وانت في غنى عن تعقيدات التطوير والنشر.
النص الكامل: المجلة العراقية لتكنولوجيا المعلومات


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق