شواهد سينمائية عن دور المكتبات في عودة الحياة - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الجمعة، 16 ديسمبر 2022

شواهد سينمائية عن دور المكتبات في عودة الحياة

 

العديد من الأعمال السينمائية تتحدث عن نهاية العالم.  وهذا يتفق في كثير من الأحيان مع فكرة أن العالم، بكل تقدمه التقني يمكن أن يعود إلى عصر ما قبل الصناعة إذا تم تدمير البنية التحتية للطاقة أو شحت مواردها.  ومع أن تلك الأفلام غالبًا ما تختلف في الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الكارثة ما بين صراع بشري أو نتيجة تدخل الطبيعة مع كوارثها المدمرة. مع هذا معظمها يحاول ان يوفر بصيص أمل لإمكانية عودة الحضارة الإنسانية مرة أخرى إذا تم انقاذ الكتب والمكتبات. أحاول في هذا المقال مراجعة هذا الموضوع لأهمية الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات في الحفاظ على الإنجازات البشرية وعناوين تقدمها التي أصبحت بين ثنايا الكتب.

في عام 2002 ، أخرج سايمون ويلز فيلمه Time Machine. والتي تدور احداثه حول محاولة عالم شاب ابتكار آلة تمكنه من العودة إلى الماضي من أجل إنقاذ حبيبته من حادث أدى إلى وفاتها. ليجد نفسه نتيجة خلل ما في المستقبل البعيد.   في سياق الأحداث ، يلتقي هذا العالم بأمين مكتبة نيويورك العامة ، الذي فوجئ بأنه قاعدة بيانات ضخمة على شكل صورة ثلاثية الأبعاد. يكتشف بطل القصة أن العالم في المستقبل هو عالم بدائي نتيجةكارثة حلت به،  ورغبة منه في إعادة الأشياء إلى معناها الحقيقي يستعين بأمين مكتبة الهولوغرامي لتعليم الأطفال المعرفة البشرية مرة أخرى.

بطريقة مختلفة نوعا ما  تم عرض فيلم اليوم بعد الغد [The Day After Tomorrow] الذي أنتج عام 2004  ليناقش تعرض العالم لموجة صقيع كان من الممكن أن تعيده إلى العصر الجليدي. وكيف كانت المكتبة ملاذا آمنا لمجموعة من الناس. ومن المفارقات ، في هذا الفيلم ، أن الرغبة في البقاء دفعتهم إلى حرق الكتب. مع معارضة شديدة من أمين المكتبة ، الذي رضخ في النهاية عن معرفة أن هناك نسخًا أخرى من هذه الكتب. من ناحية أخرى ، رفض بشدة حرق الكتاب الأول المطبوع في مطبعة جوتنبرج لأنها كانت النسخة الوحيدة المتبقية، ولكن لم يكن من قبيل المصادفة اختيار المكتبة والكتب كمنقذ للبشرية.

في عام 2010 أنتجت هوليوود فيلم [Book Of Eli] الذي يتحدث أيضًا عن نهاية العالم.  لكن أحداثه هذه المرة تدور حول البحث عن اخر نسخة من الانجيل، معتقدين أن هذا الكتاب قادر على تنظيم الحياة البشرية مرة أخرى، ويمنح صاحبه الحق في السيطرة على المجتمع.
وبين إرادة الخير والشر يحمل الفيلم رسالة مفادها أن المعرفة ليست حكراً على فرد أو مجموعة أفراد يمكن ان يستغلها لتحقيق طموحاته الشخصية، بل يجب ان تكون حق لكل أفراد المجتمع.

وفي سياق متصل ، أثارت سلسلة حلقات المسلسل [See] الشهيرة قضية فقدان الإنسان لنعمة البصر وانحسار المعرفة البشرية إلى متطلبات بدائية.

وهكذا كان هناك صراع بين المكفوفين الذين يمثلون الاغلبية و قلة قليلة من المبصرين. ولعل الاختلاف في الآراء بين الأخ وأخته حول حرق الكتب أو حفظها يثير السؤال القديم القائل بأن المعرفة يمكن استثمارها في الخير والشر في نفس الوقت. بهذا ينتهي الصراع بمشهد في نهاية المسلسل يكشف عن مجموعة من المبصرين اتخذوا المكتبة مقراً لهم ، ويهدفون من خلاله إلى الحفاظ على المعرفة الإنسانية وإعادة استثمارها لبناء مجتمع جديد. هذه الأمثلة وغيرها تشترك جميعها في شيء واحد ، وهو دور المكتبة في الحفاظ على المعرفة البشرية منذ عصر التسجيل حتى الآن. لذلك لم نكن لنعرف التراث الحضاري لحضارات بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة لولا العثور على الالواح الطينية ولفائف البردي التي كانت من أهم مقتنيات مكتبات نينوى والإسكندرية القديمة. واليوم يدور جدل حول أهمية دور المكتبات في ضوء نمو المعرفة الرقمية والإنترنت، والتي يفوق دورها في بعض الجوانب التطبيقية قدرة المكتبات على إدارة وتنظيم هذا الكم الهائل من مصادر المعرفة. على الرغم من ذلك ، نجد أنفسنا منحازين للمكتبات لأسباب قد تكون عاطفية لاعتبارات مهنية أو منطقية لمبررات تاريخية. لقد أثبتت الالواح الطينية أنها الوعاء الأكثر صمودا على مر التاريخ وبقدر أقل منها الوعاء الورقي، لكننا لم نختبر الحاويات الرقمية من جميع الأنواع في قدرتها على الصمود في حالة حدوث أي كوارث تهدد حياة الإنسان من خلال تدمير مصادر الطاقة. لذا ومن وجهة نظري يجب ان لا ننظر الى المكتبات اليوم على انها مكان لتنظيم و حفظ مصادر المعلومات وتيسير الافادة منها فقط، وانما هي حامية للمعرفة البشرية من الضياع والاندثار كما اننا يجب ان لا نختزل دور امين المكتبة بهذه المهام وانما في دوره في حماية المعرفة البشرية وحفظها لتنير طريق الاجيال القادمة. في الختام نتمنى ان لا نصل الى الكارثة لكن علينا ان نحسب حسابها، نعم علينا ان نستثمر الموارد الرقمية في مجالات الحياة المختلفة. في مقابل ان لا ننسى الكتاب حاضراً ومستقبلاً...   

هناك تعليق واحد:

  1. اشكرك استاذي الكريم مقال رائع طرحت فيه سيناريوهات واردة ...خاصة مع عمليه التحول الرقمي ،،،، الذي يفرض علينا وعاء وحامل جديد للمعرفه وهو الويب

    ردحذف