تاريخ المعرفة البشرية : المعرفة أساس التفوق البشري - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الخميس، 21 أبريل 2016

تاريخ المعرفة البشرية : المعرفة أساس التفوق البشري




الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ المعلومات في الجامعة المستنصرية

قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..) ليعلن عن خلق جديد، ليس بملاك مخلوق من نور، وليس بجان مخلوق (مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ)  هو الانسان مخلوق (مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ). وحتى لا يكون عنصر الخلق ومستوى العبادة هو اساس الافضلية عند الخلائق الذين (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ ) لياتي الرد الالهي معجزا لهم... (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) . ولإن العلم المطلق اختصه الله لنفسه دون خلقه، فقد اختار الله ان يميز آدم بالعلم والمعرفة، (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ...)  ليُشركهُ بالمعرفة التي لا يعلمها الإ هو سبحانه وتعالى، ويجهلها سائر مخلوقاته. ولإن العدل الآلهي حاضراً في ملكوت السموات، لم يشأ سبحانه وتعالى ان يلزم الملائكة الاقرار بأفضلية آدم عليهم وهو القادر وهم الطايعين، قبل أن يضعهم في اختبار للفصل بين أفضلية من يعلم على من لا يعلم.
 (وثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). ولم يتاخر رد الملائكة (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). نعم انت العالم المطلق ولا نعلم من شي الا ما تفضلت علينا به من العلم، ومقدار ما نَعلم الى ما تَعلم لا يقاس إلا بعظمة ما تَعلم الى ما نَعلم. بالتالي لا يمكن مقارنة العلم الآلهي المطلق الى علم المخلوق، لكن المقارنة الآن ليس بين خالق ومخلوق بل بين مخلوقين.      (قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ...).
بعد هذا الاقرار جاء الامر الإلهي (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا). اذن بالعلم والمعرفة حقق الله لآدم التفوق على من ظنوا انهم أسمى خلق الله وهم ( الملائكة) الذين سجدوا له استجابة لأمر الله اولاً، وإقراراً بالتفوق المعرفي لآدم عليهم ثانياً. وهنا لا ادعي تفسيرا جديدا للآيات المذكورة وانما تحليلاً لمعطيات واقعية منطلقها الحجة المعرفية. كان يكفي الله سبحانه وتعالى ان يقول للملائكة اسجدوا لآدم فيسجدوا طائعين. الا انه سبحانه اراد ان يميز آدم على ملائكته بالعلم والمعرفة فكان الله هو المُعَلم وكان آدم المُتَعلم. فهل هناك اعظم من الذي تلقى العلم من ربه مباشرة.  اذن العلم هو ميدان التفوق البشري الذي اختص الله به بني ادم على جميع خلقه حتى سجدت له الملائكة لا عن افضلية الخلق او افضلية العبادة وانما عن افضلية العلم ويالها من افضلية.
ان هذا التفوق لآدم وذريته من بعده، لم يمر دون حسد وكراهية حتى في ملكوت السموات. (إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَر) متمسكا بافضلية الخَلق من منظوره هو (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). قياس غير منطقي كيف يعقل ان نعتقد بافضلية النار على الطين، ومن الذي يستطيع ان يجزم بهذه الافضلية في مطلق الزمان والمكان. قد تحقق النار افضلية في زمان او مكان وبما يحقق المنفعة للمنتفع منها. كذلك هو حال الطين! لهذه الاسباب تجنب معظم المفسرين الابتعاد عن مبدأ القياس في تفسير آيات القرأن الكريم. من هنا بدأ مشوار العداوة والكراهية بين الشيطان المتكبر الذي اخذته العزة بالاثم ليخسر مكانته عند الله على ان يسجد لمن ظن انه اقل منه خَلقا. وبين الانسان الذي استشعر اهمية العلم والمعرفة في تحقيق الافضلية، فسقط في الاختبار الاول ضحية لخداع العدو الذي استغل رغبته في المزيد من المعرفة وتحقيقا لإرادة الله التي سبقت ذلك. (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ.)  فاستحقا العقوبة الإلهية (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ). ان الرحمة الالهية كانت حاضرة في إختيار الأرض منفى ومستقر للانسان وعدوه الشيطان. ليستمر الصراع الى وقتنا الحاضر.
عندها اصبحت الارض بسهولها وجبالها ومياهها موطن بني آدم، وهم مجردين من خبرات التعايش مع الكائنات الاخرى، لا يملكون اساليب التكيف مع البيئة المحيطة بهم. لذا كانت الرغبة في التعلم واكتساب معارف ومهارات جديدة هي اسلوب حياة تميز الجنس البشري، فضلا عن انه الوسيلة الملائمة لضمان البقاء. ومما لا شك فيه ان غريزة البقاء كانت المحرك الرئيس لسعي البشر الى اكتساب مهارات جديدة تمكنهم من الاستمرار في الحياة.
لكن يبقى السؤال الاهم، وهو هل هبط آدم الى الارض وهو يملك من المعرفة ما يمكنه من التعايش مع محيطه الحيوي فضلا عن امكانية نقل هذه المعرفة الى ذريته.؟ قد يكون الجواب عند بعض المفسرين نعم. مستشهدين بقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ..) التي يذهب سواد المفسرين الى ان القصد منها اسماء كل شي من   ( جبال وانهار واشجار وحيوانات والنباتات والاسماء...الخ). بالتالي ينكر هؤلاء ان الانسان هبط الى الارض جاهلا بها أو مستكشفا لها. بل هبط اليها وهو عالما بكل صغيرة وكبيرة فيها. وهنا لا اريد ان اخوض في جدل المفسرين الا بالقدر الذي يهم القارئ ورغبته في معرفة الجواب على التساؤل هل الانسان هبط الى الارض عالما بها ام جاهلا لها.؟ اقول لو كان القصد بقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا .) مسميات الاشياء لكان للملائكة علم بهذه الاسماء ايضا، خاصة وانهم على معرفة بالارض بدليل قولهم (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ... ).
 أنا اتفق ان المراد بالاسماء التي علمها الله سبحانه وتعالى لآدم لم يكن مسميات كل شي. وهو ما ذهب اليه البعض الاخر من المفسرين بقولهم ان " القصد من هذه الأسماء انها كانت لموجودات أحياء عقلاء، محجوبين تحت حجاب الغيب و أن العلم بأسمائهم كان على غير العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء، و إلا كانت الملائكة بإنباء آدم إياهم بها عالمين و صائرين مثل آدم مساوين معه، و لم يكن في ذلك إكرام لآدم و لا كرامة حيث علمه الله سبحانه أسماء و لم يعلمهم، و لو علمهم إياها كانوا مثل آدم أو أشرف منه، و لم يكن في ذلك ما يقنعهم أو يبطل حجتهم،" بالتالي انا اذهب الى هذا الرأي، اي ان الانسان هبط الى الآرض مجرد من المعرفة بها ساعيا الى استكشافها والغوص في فك طلاسمها. لتبدأ رحلة البشر في فهم وادراك الطبيعة المحيطة به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق