الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ المعلومات في الجامعة المستنصرية
عام 1998 كان البداية الحقيقية لي في مهنة التدريس وهو موعد أول محاضرة القيها على طلبة قسم المعلومات و
المكتبات في الجامعة المستنصرية. ولا ادري، كيف ولماذا كلفت بتدريس مادة مكننة
العمليات المكتبية،. وهي منهج دراسي بثلاث وحدات اسبوعية تعطى لطلبة المرحلة
الثالثة. التوصيف العام له هو " اكساب الطلبة مهارة التعامل مع التقنيات
الحديثة وتوظيفها في مجال مكننة (حوسبة) اجراءات وخدمات المكتبات على اختلاف
انواعها". وعندما استذكر ذلك اليوم استحضر شعور السعادة الغامر الذي شعرت به،
والسبب هو ان فكرة ان يقوم مدرس مساعد حاصل على شهادة الماجستير قبل عام فقط، وليس
على ملاك القسم بالتدريس منفردا لمرحلة دراسية متقدمة، فضلا عن اهمية وحساسية
موضوع المنهج الدراسي الذي كلفت بتدريسه. كان سابقة لا اعتقد انها حصلت لاحد غيري.
المهم اني سعدت كثيراً بهذا الاختيار لشغفي بكل ما هو تقني. المشكلة ان هذا المقرر
لا يستند الى كتاب منهجي كباقي المقررات، بالتالي حرية اختيار المواد الموضوعية
كانت من مسؤولية المحاضر في حدود التوصيف العام للمنهج. وهي حرية اصفها بسيف ذا
حدين. الحد الايجابي هي حرية اختيار المواضيع بما يتوافق مع قدراتي العلمية
والمعرفية، اما الحد السلبي فهو ندرة المصادر الحديثة التي تغطي الموضوع في زمن كان
العراق فيه محاصر اقتصاديا وعلمياً، ولم تكن الانترنت قد دخلت الى العراق على
مستوى الاستخدام العام. مع هذا ومنذ اللحظة الاولى كنت اعتقد ان مصطلح المكننة Automation هو مصطلح عام قد لا يرتبط بمؤسسات المعلومات
بقدر ارتباطه بالمعامل والمصانع.
اذن
كان علي ان اتحرر من هذا المصطلح واستبدله بمصطلح آخر هوComputerization
الحوسبة.
حتى وان كان هذا التغير على صعيد التعبير داخل قاعة الدرس وليس تغير مسمى المقرر.
فلسفتي بتدريس هذه المادة كانت تستند الى مبدأ بسيط جدا. وهو مالم نفهم الحاسوب
وتطبيقاته وبرامجه بشكل صحيح، لن نتمكن من توظيفه في تحقيق التقدم الذي نطمح اليه
في مجال حوسبة المكتبات. المشكلة ان طلاب قسم المعلومات في ذلك الوقت كانوا بعيدا
جدا عن الحواسيب التي لم ينتشر استخدامها في العراق حينها بسبب الحصار. حتى ان
مختبر القسم كان يمتلك فقط ثلاث حواسيب بمعالج أنتل [368] وبنظام تشغيل Dos في حينها. مخصصة لطلاب الماجستير وبعض العمليات
الادارية للقسم. كانت احدى هذه الحاسبات معطلة وخارج الخدمة. لذا اخترت ان تكون
محاضرتي الاولى لطلبة القسم هو التعرف على المكونات الداخلية لجهاز الحاسوب. ورغبة
مني في استعراض قدراتي في مجال تفكيك وتركيب الحواسيب امام الطلبة لكسب ثقتهم اولاً
ولابهارهم ثانياً. طلبت من الدكتورة اسماء نوري مسؤولة المختبر آن ذاك ورئيس القسم
حاليا، ان تسمح لي احضار الطلبة الى المختبر والسماح لي ايضا بفتح الحاسبة المعطلة
كأدة للتوضيح. وفعلا تم لي الامر جمعت الطلاب من حولي بدأت استخدم المفك لرفع غطاء
علبة الحاسوب. واثناء انشغالي بالشرح والعمل، كنت اختلس النظر الى طلابي لاشاهد
ردت الفعل على وجهوهم. استطيع ان اشبه عيونهم في حينها وكاننا في أول درس تشريح جثة
انسان في سنة اولى طب. المهم عملت على تفكيك كل المكونات الداخلية داخل علبة
الحاسوب وشرح وظيفية واهمية كل منها. اذكر اني وصلت الى الذكراة العشوائية Ram و وضعتها في مقارنة مع ذاكرة القراءة فقط Rom . وقلت لتقريب الفارق بين الاثنين ان Ram تفقط
كافة المعلومات المسجلة عليها بانفصال مصدر الطاقة عنها ( انقطاع الكهرباء) . اما Rom فتبقى معلومات نظام الدخل والاخراج المسجلة عليها من الشركة ثابته
حتى بعد انفصال مصدر الطاقة عنها. عندها علق احد الطلاب قائلاً. (أستاذ يعني الان
تنصحنا اذا اشترينا حاسبة نضع فيها Rom احسن من Ram لان في العراق عدنا مشاكل خاصة بتكرار انقطاع الكهرباء). طبعا هذا
التعليق بالنسبة لمتخصصي الحاسوب يعد مضحكاَ ولكن انا كنت ادرك مدى جهل الطلاب في
قسم المعلومات بجهاز الحاسوب وآلية عمله خاصة وان ثقافة التعامل مع هذا الجهاز في
العراق وقتها محدودة جدا. المهم اعدت تجميع الحاسوب مرة ثانية. وانهينا الدرس على
هذا، ومن الصدف الجيدة ان الحاسبة كانت معطلة ويبدو ان سبب العطل فيها كان ارتخاء
احد التوصيلات بين القرص الصلب واللوحة الام. الذي عاد بعد التجميع للعمل مرة
اخرى. فشاع عني انني امتلك خبرة في تصليح الحواسيب المعطلة. واعترف اليوم ان
الصدفة وحدها هي التي اعادة الحاسبة للعمل. المهم اني كنت قد حققت الهدفين من هذه
المحاضرة وبالصدفة كسبت هدف ثالث وهو اني اصبحت مستشار مسؤولة المختبر للعطلات
التي كانت تحدث في الطابعات والحاسبات. وهذا ما سمح لي التواجد في المختبر
والافادة منه تكرارا . بعد مرور الفصل الاول اكتشفت ان طلبة القسم كانوا يعتقدون
ان خريج حاسبات لانهم لا يتوقعون متخصص في مجالهم يمكن ان يكون لديه خبرة التعامل
مع الحواسيب. منذ ذلك العام وانا ما ازال مقتنعا ان الخيار الامثل لتخصص المعلومات
والمكتبات وهو الذهاب الى ابعد مدى في مجال التعرف على التقنيات الحديثة واكتساب
مهارة التعامل معها وهو هدف اسمى دافعت عنه ولا ازال ادافع عنه رغم الصعاب واصرار
البعض على بقاء الحال على ما هو عليه. تحية للزميلة العزيزة الدكتورة اسماء لانها
جازفت على مسؤوليتها الخاصة لادخال الى مختبر الحاسوب وسماحها لتواجد طلابي يه. ذلك
اليوم اسهم في حرصي على مواكبة التقنيات والحواسيب وتطبيقاتها. فاذا كنت اليوم في
نظر البعض متمكننا من النظم والبرامج والتطبيقات فالفضل يعود الى ذلك. اليوم الذي
كانت فيه محاضرتي الاولى....
ربي يوفقك استاذي العزيز ؟؟الف الف تحيه
ردحذفكل التوفيق ان شاء الله دكتورنا الفاضل
ردحذف