التعليم في بلاد الرافدين - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الجمعة، 7 يوليو 2017

التعليم في بلاد الرافدين



الاستاذ الدكتور
طلال ناظم الزهيري
استاذ المعلومات في الجامعة المستنصرية
كان التَعْليم في بلادِ الرافدين أكثر رقياً وتقدماً عما كان عليه عند باقي الحضارات والبلدان القديمة، اذ كان هناك وجود حقيقي للمؤسسة التَعْليمية التي كانت تسمى ببيوت الألواح، وكان طلاب العلم يجلسون على مقاعد من الأجُر، كما أن قوائم الكلمات تشير إلى وجود نظام تعليمي متدرج في الألف الرابع ق.م، ولقد قدمت النصوص المدرسية التي وجدت في مدينة (شورباك) والتي تعود إلى منتصف الألف الثالث ق.م، دليل مباشر على ذلك، إذ وجد في نهايات تلك ألواحِ كتابات تمثل التمارين، وأسماء الطلبة وأسماء ابائهم (مُعلميهم).
ويذكر (كريمر، 1980) الى ان نشوء المدرسة باعتبارها المؤسسة التَعْليمية الرسمية في بلاد الرافدين كان نتيجة مباشرة لاختراع طريقة الكتابة المسمارية ولكن ما حصل من تقدم في القرون التي أعقبت ذاك التاريخ كان بطيئا نوعاً ما، حيث حل الألف الثالث ق.م حتى ظهر عدد من المدارس في بلاد سومر يرجع تاريخها الى 2500 ق.م .
ويضيف الى ان أهداف المدرسة السومرية في بدايتها كانت موجهة بشكل اساسي الى تعليم اللغة السومرية للموظفين في مجال الإدارة والاقتصاد ممن يعملون في دوواين الدولة آن ذاك. ومع مرور الزمن تطورت تلك المدارس للتحول الى مراكز للعلم والثقافة، تدرس فيها مختلف فروع المعرفة كاللاهوت وعلم اللغة والنبات والجغرافية والتعديم والرياضيات وغيرها، وكانت المدارس السومرية كما يشير (كريمر) تعد مراكز للكتابات الادابية والابداعية التي احتضنت جميع الاعمال والاثار الادبية. 
واما التَعْليم الرسمي في بلاد آشور وكما يذكر (لوكاس، 1980) فكان مقتصراً في المقام الاول على الطبقات العليا، وكانت تديره مؤسسات البلاط، بينما كان التجار واصحاب الحرف اليدوية من المتعلمين لاسيما في بلاد بابل. اما المدارس التي كانت تحقق رغباتهم المعرفية فكانت مؤسسات خاصة ذات طبيعة تعليمية، اما التَعْليم العالي مع بعض الاستثناءات فقد كان حصراً من نصيب الاداريين النساخين والنبلاء، بينما بعض الامراء كان من نصيبهم ان يتلقوا تعليما متكاملاً. ويضيف الى ان انشاء المدارس كان سببه الازدواج اللغوي وصعوبة تعلم الكتابة المسمارية ذاتياً، فانشات اولى المؤسسات التَعْليمية في تاريخ الحضارات والتي اطلق عليها اسم المدارس، والتي لم تقتصر على تعلم العلامات المسمارية بل شملت مختلف العلوم. ومع انتشار المدارس الا ان التَعْليم بشكل عام ظل مقصوراً على طبقة محدودة من الناس، لذا كان المُتَعلّمون من الكتبة يحتلون مراكز اجتماعية مهمة .
ومن المؤلفات التي خلفها لنا البابليون ما يمكن ان نسمية بالمعاجم اللغوية وهي عبارة عن جداول بالعلامات المسمارية ومعانيها باللغتين السومرية والاكدية وهناك معاجم أُخرى خاصة بشرح الكلمات وشرح قواعد اللغة السومرية او الاكدية وأُخرى جداول باسماء الحيوانات والنباتات والاحجار واعضاء جسم الانسان وغيرها ، وكان على المُتَعلّمين حفظ مثل هذه الجداول والاستعانة بها عند القراءة او عند الكتابة . وكما ان هناك بعض النصوص التي اعانتنا على تفهم حالة التَعْليم في العهد البابلي القديم ، فضلا عن هذه المعاجم اللغوية فهناك إعادة تركيب لمنهج في مدرسة العهد البابلي القديم مستمد على ما يسمى بيت الألواح ( بيت توبيبي ) ثم نص اختبار من اشور دون حوالي 900 قبل الميلاد. (كريمر، 1980)
وعثر ايضا على وثائق تتكون من الف لوح طيني يحمل بعض هذه الألواح على مفردات كتبت كتمارين مدرسية،  مما يشير الى ان اجدادنا القدماء كانوا يفكرون بطرق التدريس منذ الالف الثالث قبل الميلاد، وبعضها يحمل تمارين مكتوبة من قبل الطلاب انفسهم كجزء من واجبهم اليومي .
وان من حسن حظ الباحثين المحدثين، انه تم العثور على عدد لا باس به من النصوص المسمارية ذات العلاقة بالتَعْليم واساليبه، دوّنها كتبة كان يعدون انفسهم مُعلمين في المدرسة. وقد امدتنا مثل هذه النصوص بمعلومات وافية عن اسلوب إدارة المدرسة والحياة الدراسية ومناهجها ووسائل التَعْليم واساليبه، ومن ابرز هذه النصوص ما يمكن ان نضع لها العناوين الاتية: ايام الدراسة؛ والمشاكسون في المدرسة؛ والكاتب وابنه الضال. وتشير مضامين هذه النصوص الى انه كان يدير المدرسة الاستاذ او الخبير، واذا تخرج التلميذ يعرف بـ (ابن المدرسة في الايام الماضية) وكانت مهمة المُعلم (الاخ الكبير) كتابة الألواح الجديدة المعدة للطلبة بغية استنساخها وفحص نسخ الطلبة والاستماع اليهم وهم يستظهرون واجباتهم اليومية .
وكان العملية التعليمية تتم تحت اشراف مجموعة من الخبراء تتوزع ادوارهم حسب تخصص كل منهم، فهناك مثلاً المشرف على اللغة الاكدية والمشرف على اللغة السومرية، ويشير في هذا النص الى بعض اساليب التَعْليم التي كانت متبعة في المدارس حيث يذكر ان الدوام في المدرسة يبدأ منذ الصباح الباكر، ويستمر حتى نهاية النهار. وكان على التلميذ الالتزام باوقات الدوام، والا تعرض للعقوبة بالعصا تماما كما هو الاسلوب المتبع حتى الان في بعض مدارسنا الابتدائية .
ويبدو انه كان للاستظهار دور كما له حتى يومنا هذا في سير دراسة التلميذ وسرعة تعلمه ولا بد ان يكون للاخ الكبير والمدرسين المساعدين دور في توجيه التلميذ وتفسير معاني الكلمات والمصطلحات والعبارات الشفوية وتدريبهم على اسلوب القراءة والكتابة بشكل عملي. 
-------------------------------------------
كريمر, س ن. 1980. هنا بدأ التاريخ: حول الأصالة في حضارة وادي الرافدين. . ترجمة. غافل المراني ناجية . بغداد: دار الجاحظ.
لوكاس, كرستوفر. 1980. حضارة الرقم الطينية وسياسية التعليم في العراق القديم. . ترجمة .  يوسف عبد المسيح ثروت. بغداد: دار الجاحظ.


هناك 3 تعليقات: