الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ نظم استرجاع المعلومات
الجامعة المستنصرية
فكرة انشاء مكان يتم فيه تخزين النتاج الفكري الانساني قديمة جدا، وتكاد ترتبط وبشكل منطقي مع بداية تسجيل المعرفة البشرية، لكن، الشيء الذي اختلف هو نوع الوعاء المستخدم في التسجيل، والذي تطور بتطور الحضارات البشرية من الرقم الطينية و لفائف البردي الى الورق و صولا الى تقنيات التسجيل الضوئي. فضلا عن ان مفهوم ادارة وحفظ وتخزين هذه الاوعية تطور ايضا بسبب تحول المواقع المخصصة للحفظ من الاستخدام الخاص الى الاستخدام العام. الامر الذي ادى الى ظهور مؤسسات المكتبات العامة، التي تفتح ابوابها للمستفيدين على اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية، بعد ان كانت تلك المكتبات نخبوية، مخصصة لطبقة اجتماعية محددة، رجال دين، علماء، ملوك وامراء. هذا التحول، ساعد على تنامي مجاميع المكتبات، للدرجة التي اجبرت اداراتها الى التحول من نظام الرف المفتوح (عرض الكتب امام جمهور المستخدمين) الى نظام الرف المغلق (نقل الكتب الى مخازن داخلية لا يصل لها جمهور المستخدمين). بالتالي، خسر المستخدمين فرصة الاطلاع على الكتب واختيار ما يتناسب مع متطلباتهم. الامر الذي دفع ادارات المكتبات الى البحث عن وسيلة تساعد المستفيدين في التعرف على مصادر المعلومات و اختيار ما يناسبهم منها دون الحاجة الى مشاهدتها بشكل مباشر. هذه الوسيلة عرفت لاحقا بالفهارس البطاقية: التي قد لا انظر اليها على انها نظام استرجاع مجرد بل هي عبارة عن تمثيل افترضي لمصادر المعلومات المتوفرة في مخازن الكتب من خلال توصيفها على بطاقة ورقية تجمع فيها البيانات والمعلومات التي تصف المصدر. على سبيل المثال يمكن ان تتضمن بيانات التاليف والعنوان و النشر والطبعة ...الخ. ومع زيادة عدد المكتبات على المستوى العالمي ظهرت حاجة الى ان يتم وضع مجموعة من المعايير والمواصفات الموحدة لطريقة ادراج هذه البيانات على البطاقة وهو موضوع فصلناه في مقالةعلى الرابط الاتي:
(قواعد الفهرسة والتقنين الدولي للوصف الببليوغرافي).
وبعد ان اكتملت فكرة توصيف مصادر
المكتبات بهذه الطريقة، ظهرت الحاجة الى اسلوب لترتيب هذه البطاقات داخل الادراج
المخصصة لها. فكان الحل كالاتي :
نعتمد اسم المؤلف لاغراض الترتيب
الهجائي، بالتالي اذا كان المستفيد يبحث عن كتاب لكاتب مثل ( ايمان فاضل) سوف يجده
تحت حرف الالف. لكن ماذا لو ظهر اسم الكاتب بصيغ مختلفة من عمل الى اخر.؟ اي
استخدام الكنية او اللقب ( ايمان فاضل السامرائي). طبعا القواعد تلزمنا ان نقلب
الاسم ليكون اللقب اولاً. بالتالي الترتيب سوف يكون تحت حرف السين. اين المشكلة.! الجواب ان مؤلفات نفس المؤلف
سوف تتشتت ويصعب الوصول اليها. والحل من وجهة نظر ادارات المكتبات هو اعتماد صيغة
موحدة لكتابة الاسم بغض النظر عن طريقة ظهورة على العمل. هذا الامر يتطلب بناء ملف
خاص يسمى ملف الاسناد المولفين Authorty File: وهو عبارة عن قائمة محلية غالبا يتم فيها تسجيل اسماء
المؤلفين بصيغة موحدة وتُحدث بشكل مستمر، ويمكن ان تعتمد لاغراض مكتبة واحدة او
مجموعة مكتبات.
المشكلة الثانية ان بعض المستفيدين
يبحثون عن كتب ومؤلفات بدلالة عناوينها وغالبا ما يجهلون اسماء مؤلفينها. بالتالي
ظهرت الحاجة الى عمل نسخة ثانية من كل بطاقة على ان يتم ترتيبها في الادراج
المخصصة لها حسب العنوان او ما يطلق عليه اليوم فهرس العناوين.
لكن ماذا لو ان المستفيد يبحث عن
موضوع وليس في جعبته عناوين او اسماء مؤلفين.؟
في هذه الحالة سوف نحتاج الى توصيف
الكتب و الانواع الاخرى من مصادر المعلومات موضوعيا. بمعنى ان نصنف الكتب حسب
موضوعاتها العامة والدقيقية من خلال وضع مجموعة من الواصفات (رؤوس الموضوعات) المعبرة
عن موضوع الكتاب مثل ( نظم استرجاع، نظم المعلومات، نظم استرجاع المعلومات...الخ).
هنا ايضا نحتاج الى عمل نسخة ثالثة من بطاقات الوصف الببليوغرافي على ان يتم
ترتيبها داحل ادراج الفهرس هجائياً حسب رؤوس الموضوعات. مع هذا واجهت المكتبات
مشكلة في طريقة كتابة الواصفة الموضوعية والتي بالتاكيد سوف تختلف من مفهرس الى
اخر. هل نقول (الشبكات الاجتماعية) ام (شبكات التواصل الاجتماعي) وغيرها الكثير. حلا لهذه المشكلة ظهرت قوائم معيارية تسمى قوائم رؤوس الموضوعات: وهي عبارة قائمة مرتبة هجائيا برؤوس الموضوعات مكتوبة بصيغة موحدة
على ان يتم الرجوع من قبل المفهرس لاختيار الواصفة التي تعبر بدقة عن موضوع
المصدر. لا شك ان فائدتها هو في جمع المصادر ذات الموضوع الواحد تحت رأس موضوع
موحد بدل تشتيتها بسبب تباين واختلاف الصياغة.
بعد
هذا المدخل المبسط لبناء ثقافة معرفية مشتركة للمهتمين بالموضوع ننتقل الى اصل
الفكرة التي نناقشها في هذه المقالة، والتي لا تكاد تنفصل عن ما تقدم، الا في
اختلاف البيئة والمؤسسة. اذ ان المكتبات على اختلاف انواعها واحجامها، لم تعد هي
المؤسسات الوحيدة التي توكل لها مهمة ادارة المعرفة، خاصة، وان بيئة الانترنت
اليوم تعد اضخم مكتبة رقمية في العالم، يتاح من خلالها كم هائل من المعلومات، للدرجة
التي يصعب حصرها او تحديد مداها في المستقبل القريب. ولا نغالي، اذ نقول، ان
المرجع الاول اليوم في البحث عن المعلومات هو الانترنت، بعد ان كانت المكتبات على
مدى قرون طويلة تحتل هذه المكانة. وهنا لا نريد ان ندخل في سجال الاهمية والانحياز،
بالقدر الذي نحاول ان نقول فيه ان المكتبات كانت دائما تجد المعالجات اللازمة
لاغراض ادارة المعرفة ضمن نطاقها المكاني. وغالبا ما كانت حلولها معيارية قابل
للتطبيق في اي مكتبة في العالم. استذكر معكم خطط التصنيف وقواعد الفهرسة و قوائم
الاسناد و رؤوس الموضوعات...الخ. كل هذه الأدوات لم تبتكر لمكتبة بعينها، وانما
وجدت لتقدم حلول معيارية لمختلف انواع المكتبات العالمية.
واليوم ومع اقرارنا السابق ان الانترنت
تقدمت على المكتبات في حجم المعرفة الرقمية المتاحة، علينا أن نتسائل من المسؤول
عن ادارة المعرفة الرقمية وتنظيمها في بيئة الانترنت.؟ قد تكون الاجابة المتسرعة
بصيغة سؤال ايضا، و هل هناك اصلا مشكلة في تنظيم المعرفة في بيئة الانترنت.؟ الجواب
بكل تاكيد هو نعم، ويمكن القول ان هناك فوضى خلاقة في مجال تنظيم المعرفة على
الانترنت، لكن تلك الفوضى غير محسوسة بالقدر الذي تسهم فيه محركات البحث بتبسيط
اجراءاتها وسرعتها في استرجاع المعلومات. علما ان المستفيد على الانترنت غالبا لا يبدي
انزعاجا ملحوظا في الحالات التي لا يسترجع فيها معلومات لمطلب بحثي معين، حتى انه
لا يتذمر من ضعف الدقة بالموضوعات التي يصل اليها وبعدها عن موضوع البحث، على عكس
الحالة لو كان البحث في مجاميع المكتبة. والسبب هو ان معظم المستخدمين للانترنت
يعتقدون ان تنظيم المعرفة في بيئة الانترنت يتم بشكل آلي، بالتالي لا يمكن صب
غضبهم على الآلة التي قدمت لهم ميزات اخرى كثيرة تعوض عن هذا النقص. وهنا اتفق ان
معظم محركات البحث تعمل من خلال خوارزميات برمجية تمكنها من أداء وظائفها بشكل آلي.
لكن يبقى السؤال، هل بالامكان أفضل مما كان.؟ الجواب ببساطة نعم. هناك مجالات
عديدة لتدخل بشري يمكن ان يسهم في رفع مستوى الجودة في عمليات الاتاحة والاسترجاع،
بدرجة تفوق ما موجود حالياً. ولقد تناولنا في دراسات سابقة، بعض من هذه الأدوات و
فصلنا دورها في تنظيم المعرفة في بيئة الانترنت، مثل: التكسونومي، والفلكسونومي،
وخصائص بناء المستندات الرقمية. واليوم سوف نركز على أداة مهمة شاع استخدامها في
شبكات التواصل الاجتماعي واسهمت في تحقيق فلسفة جديدة لتعقب البيانات وتجميعها والتي
تعرف بـ [Hashtags] والتي اعطيها معنى (الوسوم المتصلة) وان
كانت كترجمة حرفية لا تعطي مثل هذا المفهوم. عموما رمز [#] Hash في
الرياضيات هو دالة رياضية
تُحوِّل مجموعة كبيرة من البيانات إلى بيانات أصغر. وهي عادةً ما تكون عدد صحيح
يعمل بمثابة مؤشر لمجموعة من البيانات. وتسمي القيم التي تسترجعها دالة هاش: قيم
هاش أورموز هاش أو مجاميع هاش. اما في مجال شبكات التواصل الاجتماع فأن الاستخدام
التطبيقي لها هو تبويب موضوع المنشور تحت وسم يتكون من كلمة او مجموعة كلمات يفصل
بينها علامة (_) وتبدأ مع الرمز (#). مثال: ( #دورة_كاس_الخليج) ان رمز الهاش هنا
سوف يعمل على تجميع كل المنشورات التي تشترك فيما بينها بهذا الوسم بغض النظر عن
الناشر و مكان النشر وموضوع المنشور. والسؤال الآن لماذا ظهرت وما فائدتها.؟ طبعا
سبب ظهورها ناتج عن الكم الهائل من المنشورات التي تظهر على شبكات التواصل
الاجتماعي والرغبة في تنظيمها لتسهيل عملية دراستها وتحليلها. اما فوائدها فهي
كثيرة احاول ان اختصرها بالاتي: على مستوى الدراسات العلمية تخدم الباحثين في
تبسيط عمليات تعقب الموضوعات من خلال استرجاعها بالاعتماد على الوسم. اما على
المستوى الاعلامي فهي اهم ادوات تحليل عبارات البحث الرائجة Trending التي اصبحت
احدى اهم الفقرات الاخبارية للقنوات الفضائية. لكن على مستوى تنظيم المعلومات
وادارة المعرفة فهي تتقارب مع الواصفات ورؤوس الموضوعات في فلسفة التطبيق وتختلف
عنها في انها عشوائية وغير خاضعة لاي معايير في حدود اختيار العبارات. اذ ان
المستخدم له مطلق الحرية في طريقة ادراج الوسم بالتالي فأنها وان كانت اداة مهمة
في تجميع الموضوعات المتشابهه الا انها في ذات الوقت قد تكون أداة لتشتيت
المنشورات ايضا، في حال لم يتم ادراجها باحترافية. وعليه نعتقد ان اعتماد معايير
محددة في طريقة ادراج الوسم ستكون اكثر ايجابية، حتى وان اعتقد البعض انها سوف تحد
من حرية المستخدمين في التعبير عن منشوراتهم. ومثال على تشتت المنشورات نحاول ان
نجري تجربة بسيطة على موقع (تويتر) وبالتحديد سوف ناخذ المنشورات الخاصة
بالتظاهرات الجارية في العراق منذ الاول من اكتوبر كمثال على مجمل الوسوم
المستخدمة من قبل المستخدمين لنلاحظ تباين التعبيرات المستخدمة وكالاتي:
#انتفاضة_تشرين
#انتفاضة_اكتوبر
#ثورة_تشرين
#العراق_ينتفض
#ثورة_تشرين_العراقية
#تظاهرات_العراق
وغيرها من
التعبيرات التي تعبر عن موضوع واحد. بالتالي تشتت المنشورات. وهنا لا بد من السؤال
ما المشكلة في هذا التشتت.؟ ببساطة المشكلة هي ان الموضوع لن يحصل على درجة عالية
في مقاييس عبارات البحث الرائجة، لكن لو كان هناك اتفاق على استخدام هاشتاج محدد بكل
تاكيد سوف يرفع من درجته في المقايس العالمية. وهذا امر يصعب تحقيقيه في ظل رغبة
رواد الشبكات الاجتماعية بحرية الاختيار. مع هذا وفي حدود استخدامه ضمن شبكات
التواصل الاجتماعي لا يشكل ضرر كبير يتطلب تدخل فوري. لكن الهدف من هذه المقالة هو
توجيه انظار المتخصصين في مجال ادارة المعرفة الى اهمية الافادة من آلية عمل [Hashtags] في تحقيق
تنظيم للمعرفة الرقمية المتاحة من خلال الانترنت. والفكرة ببساطة هو اعادة كتابة
الكلمات المفتاحية للبحوث والدراسات المنشورة رقميا بصيغة [Hashtags]. على سبيل
المثال بدل كتابة راس موضوع لبحث معين يتناول موضوع تنظيم المعرفة الرقمية باختيار
واصفات موضوعية كالآتي:
تحويل راس الموضوع الى صيغة الهاشتاج |
بالتالي سوف يتاح
للمستخدمين امكانية الوصول الى البحوث والدراسات المتاحة رقمية بسرعة ودقة اكبر،
من خلال تعقبها باستخدام [Hashtags]. ولاننا ندرك مسبقا ان هذا
الامر حتى يكتب له النجاح لا بد من تجاوز مشكلة حرية التعبير لانها ببساطة سوف
تعيدنا الى المربع الأول. وعلية المقترح الذي نتقدم به هو الاسراع في اعادة كتابة
قوائم رؤوس الموضوعات بصيغة [Hashtags] ويمكن اتاحتها رقمية حتى تمكن
المستخدمين من التعرف على الطريقة المثالية لصياغة [Hashtags] الموضوعي
وهذا امر سوف نعمل عليه في المستقبل القريب ان شاء الله. ولا باس ان تكون هذه
الفكرة في دائرة اهتمام طلبة الدراسات العليا لانجاز رسائل واطاريح في هذا المجال.
على سبيل المثال تعقب مصطلحات موضوع معين وتجميعها ثم اعادة صياغتها بطريقة [Hashtags].
شكرا دكتور با ك الله بيك
ردحذفاعتقد بامكان القائمين على ادارة مواقع التواصل الاجتماعي تطوير خاصية تظهر مجموعة من الواصفات كمقترحات لوصف موضوع معين تكون هذه المقترحات ماخوذة بالاساس من المستخدمين ووضعها في قائمة المقترحات في حالة الحاجة الى وصف موضوع مشابه من قبل مستخدم اخر او ادراج واصفة جديدة في حالة عدم الايفاء بوصف الموضوع بشكل جيد ومن ثم ظهار هذه الواصفة ضمن مجموعة الواصفات المقترحة لوصف مشابه اخر
شكرا مرة ثانية استاذنا الغالي
وهذا موجود فعلا في تويتر على الاقل. الموضوع يهدف الى ما هو ابعد من منشورات شبكات التواصل الاجتماعي الى البحوث والدراسات العلمية. اسعدني مرورك
حذفموضوع مثير
ردحذف