لا. لمسار بولونيا . نعم لمسار وطني لاصلاح التعليم العالي في العراق - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

لا. لمسار بولونيا . نعم لمسار وطني لاصلاح التعليم العالي في العراق

 معَ بدايةِ مشوارِ الحكومةِ العراقيةِ الجديدةِ بدأنا نسمعُ أنَ البرنامجَ الحكوميَ لإصلاحِ التعليمِ العالي ذهبَ إلى تطبيقٍ (مسارُ بولونيا) في النظامِ التعليميِ للجامعاتِ العراقيةِ ولا شك أنَ عددا كبيرا منْ الكوادرِ التعليميةِ في الجامعاتِ ليسَ لديهِ فكرةٌ عنْ ماهيةِ هذا المسارِ الذي يطلقُ عليهِ [[Bologna Process
 بلْ لعلَ البعضَ لمْ يسمعْ بهِ أصلاً، معَ هذا منْ السهولةِ التعرفُ عنْ مضمونِ هذهِ الاتفاقياتِ بما يتوفرُ منْ معلوماتِ مهمةٍ عنها في الإنترنت . وحتى أكون صادقا أنا منْ بينِ الأساتذةِ الذينَ لمْ تكنْ عندي فكرةٌ مفصلةٌ عنْ هذهِ العمليةِ وإنْ كانَ المصطلحُ قدْ صادفتْه في إحدى الدراساتِ التي اعتمدتها في بحثيٍ عنْ التعليمِ الإلكترونيِ . والتي لمْ أتوقفْ عندها كثيرا لكنْ على الأقلِ فهمتْ أنها عبارةٌ عنْ سلسلةٍ منْ الاتفاقياتِ والإصلاحاتِ التي تهدفُ إلى إنشاءِ منطقةِ التعليمِ العالي الأوروبيةِ المشتركةِ . بدأَ منْ عامِ 1999 وسميَ على اسمِ مدينةِ بولونيا ، في إيطاليا ، حيثُ انطلقتْ العمليةُ . وتبينَ أنَ الهدفَ الرئيسيَ منْ عمليةِ بولونيا هوَ تحسينُ التوافقِ والمقاربةِ بينَ أنظمةِ التعليمِ العالي في جميعِ أنحاءِ أوروبا ، لضمانِ الاعترافِ بالدرجاتِ والمؤهلاتِ الأكاديميةِ بينَ الدولِ التي تلتزمُ بمتطلباتِ هذهِ العمليةِ مما يسهلُ على الطلابِ التنقلُ بينَ البلدانِ والمؤسساتِ ، قبلٌ عمليةِ بولونيا ، كانتْ أنظمةُ التعليمِ العالي الأوروبيةِ متباينةً على نطاقٍ واسعٍ منْ حيثُ الهيكلُ ومدةُ البرامجِ والاعترافِ بالدرجاتِ . هذا التنوعِ جعلَ منْ الصعبِ على الطلابِ نقلَ الاعتماداتِ أوْ متابعةِ دراساتهمْ في الخارجِ أوْ الاعترافِ بمؤهلاتهمْ عبرَ الحدودِ . تمَ بناءَ عمليةِ بولونيا على عدةِ مبادئَ أساسيةٍ وهيَ :

1.     هيكلُ وإطارُ الشهادةِ : التغييرُ الأكثرُ تميزَ الذي أحدثتهُ عمليةُ بولونيا هوَ اعتمادُ هيكلِ درجةِ معياريْ ، يتكونَ عادةً منْ ثلاثِ برامجَ : البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ، الذي يشارُ إليهِ غالبا باسمِ " نموذجِ 3 + 2 + 3 " ، لتسهيلِ انتقالِ الطلابِ بينَ الدولِ والمؤسساتِ الأوروبيةِ المختلفةِ.

2.  نظامُ تحويلِ وتراكمِ الرصيدِ الأوروبيِ ECTS European Credit Transfer and Accumulation System : هوَ نظامُ ائتمانٍ يسمحُ بقياسِ الدوراتِ والبرامجِ الدراسيةِ والاعترافِ بها بناءٌ على عبءِ العملِ المطلوبِ . تسهلَ اعتماداتٍ ECTS نقلَ الاعتماداتِ بينَ الجامعاتِ والبلدانِ المختلفةِ .

3.     ضمانُ الجودةِ : تؤكدَ عمليةَ بولونيا على أهميةِ تطبيقِ آلياتِ ضمانِ الجودةِ للتأكدِ أنَ التعليمَ الذي توفرهُ المؤسساتُ يفي بمعاييرَ معينةٍ . يتضمنَ ذلكَ عملياتُ ضمانِ الجودةِ الداخليةِ والخارجيةِ .

4.     الاعترافُ بالمؤهلاتِ : تهدفَ عمليةَ بولونيا إلى إنشاءِ إطارِ عملٍ مشتركٍ للاعترافِ بالدرجاتِ والمؤهلاتِ عبرَ البلدانِ المشاركةِ ، وتعزيزَ التنقلِ والتوظيفِ للخريجينَ .

5.     التنقلُ والتعلمُ مدى الحياةِ : تشجعَ عمليةَ بولونيا تنقلَ الطلابِ والموظفينَ عبرِ البلدانِ والمؤسساتِ ، مما يعززُ التبادلُ الثقافيُ والتعاونُ . كما تؤكدُ على مفهومِ التعلمِ مدى الحياةِ، وتمكينَ الأفرادِ منْ تحديثِ مهاراتهمْ ومعارفهمْ طوالَ حياتهمْ .

6.     البعدُ الاجتماعيُ : تسعى العمليةُ إلى جعلِ التعليمِ العالي في متناولِ مجموعةٍ متنوعةٍ منْ الطلابِ ، بغضِ النظرِ عنْ خلفيتهمْ الاجتماعيةِ أوْ الاقتصاديةِ

للأسفِ كل منْ اطلعَ على تلكَ المبادئِ تصورَ أنها حبلُ النجاةِ الذي سوفَ ينتشلُ مؤسساتنا التعليميةَ منْ حالةِ التراجعِ العلميِ ويرتقي بها إلى مصافِ الجامعاتِ العالميةِ ولاشكْ أنَ هناكَ منْ روجَ لهذا الأمرِ واقنعْ صناعَ القرارِ بأهميةِ تطبيقِ هذا المسارِ . وعليهِ لا بدَ منْ أنْ نحذرَ منْ المنزلقِ الخطيرِ الذي سوفَ نقعُ فيهِ في حالٍ ذهبنا معَ هذا المسارِ  ليسَ لعيبٍ فيهِ وإنما لأنهُ لا يتوافقُ معَ طبيعيةٍ مؤسساتنا التعليميةُ . خاصةٌ وأنَ الهدفَ الأساسيَ لعمليةِ بولونيا هوَ تسهيلُ تنقلِ الطلبةِ بينَ المؤسساتِ والجامعاتِ الأوربيةِ التي لا توجدُ فيما بينها فوارقُ كبيرةٌ أصلاً . وللأسفِ يخطئُ البعضُ أنَ تطبيقَ مسارِ بولونيا في الجامعاتِ العراقيةِ سوفَ يعطي الطالبُ العراقيُ نفسُ الحقِ (لا يأبهُ لا) كلَ ما وردَ منْ تسهيلاتٍ لعملياتِ النقلِ والاعترافِ المتبادلِ يشملُ فقطْ طلابُ جامعاتِ الدولِ الموقعةِ على الاتفاقياتِ والمشتركةِ في المسارِ . أما الخطأُ الآخرُ هوَ الترويجُ أنَ تطبيقَ الجامعاتِ العراقيةِ لمسارِ بولونيا سوفَ يعززُ الشهادةَ العراقيةَ منْ خلالِ الاعترافِ بها في أوربا ( متوهم عزيزي ) . لأنَ مفهومَ الاعترافِ بالشهادةِ هوَ حقٌ حصريٌ للدولِ المشتركةِ بالاتفاقيةِ . ولا يعني أنْ تكتسبَ أيَ دولةِ هذا الحقِ بمجردِ الإعلانِ أنها سوفَ تطبقُ مسارَ بولونيا . عندها قدْ يقولُ قائل لا بأس لكنْ هناكَ إيجابياتٌ لتطبيقِ هذا المسارِ بعيدا عنْ الاعترافِ وتسهيلِ عمليةِ التنقلِ . الجوابُ نعمَ لكنَ هذهِ الإيجابياتِ التي يشارُ لها هيَ لمْ تكنْ نتيجية تطبيقُ المسارِ بقدرِ ما هيَ منْ شروطهِ خاصةً ما وردَ في ( 1,2,3 ) . وهذهِ الأمورُ بحاجةِ إلى مراجعةٍ خاصةٍ تطبيقَ " نموذجِ 3 + 2 + 3 " وهوَ طريقةٌ مبسطةٌ لوصفِ هيكلِ الدرجةِ الذي أنشأتهُ عمليةُ بولونيا في التعليمِ العالي الأوروبيِ . يشيرَ إلى الدوراتِ الثلاثِ للتعليمِ العالي التي أصبحتْ شائعةً عبرَ البلدانِ المشاركةِ . تتوافقَ كلَ دورةٍ معَ مستوى معينٍ منْ الدراسةِ ، وتشيرَ الأرقامُ إلى المدةِ التقريبيةِ لكلِ دورةٍ بالسنواتِ .

أما نظامُ تحويلِ الرصيدِ إذا طبقَ في الجامعاتِ العراقيةِ سوفَ يكونُ بابٌ واسعٌ منْ أبوابِ الفسادِ خاصةً إذا شملَ الجامعاتِ والكليةَ الأهليةَ . وهنا لا أريدُ أنَ افصلْ . نأتي على أهمِ نقطةِ هنا وهيَ ما هيَ المؤشراتُ اليومَ على أنَ الدولَ التي طبقتْ مسارَ بولونيا كانتْ قدْ حققتْ قفزةَ نوعيةٍ على مستوى الجودةِ والرصانةِ العالميةِ . إذنٌ لماذا لاتزالُ الجامعاتُ الأمريكيةُ هيَ الأفضلُ في كلِ المقاييسِ علما أنها لا تطبيقَ عمليةِ بولونيا وليستْ جزءُ منها . وفي سياقٍ متصلٍ لماذا بريطانيا لمْ تدخلْ في هذا المسارِ علما أنَ الجامعاتِ البريطانيةَ لا تزالُ متفوقةً على الجامعاتِ الأوربيةِ الأخرى . ما أريدُ أنْ أقدمهُ منْ نصيحةٍ أتمنى أنْ تصلَ لصاحبِ القرارِ لا تذهبوا بعيدا للبحثِ عنْ حلولٍ لإصلاحِ منظومةِ التعليمِ العالي في الجامعاتِ العراقيةِ . خياراتنا للإصلاحِ تبدأُ منْ استقلاليةِ الجامعاتِ وهذا الأمرُ لنْ ولنْ ولنْ تتنازلهْ عنهُ الأحزابُ . خياراتنا في الإصلاحِ تبدأُ منْ وضعِ آليةٍ علميةٍ لاختيارِ القياداتِ الجامعيةِ بدأَ منْ رئيسِ القسمِ إلى رئيسِ الجامعةِ ، ركائزها الاعتباراتِ العلميةَ والكفاءةَ الإداريةَ فقطْ . وهذا الأمرُ لنْ ولنْ ولنْ يحدثَ وسوفَ تستمرُ المحاصصةُ الحزبيةُ إلى ما شاءَ اللهُ . خياراتنا في الإصلاحِ هوَ الالتزامُ التامُ بثوابتِ أكاديميةٍ وتعليماتٍ غيرِ قابلةٍ للمراجعةِ والتأويلِ والتعديلِ وهذا الأمرُ أيضا صعبٌ التحقيقِ في ظلٍ سياسيةٍ الطالبِ دائما على حقٍ . خيارتنا في الإصلاحِ تتطلبُ تقديمَ العلماءِ على المديرينَ وهوَ أمرُ لنْ يروقَ منْ أوصلتهُ الاعتباراتُ الحزبيةُ إلى قمةِ الهرمِ الإداريِ . منْ يريدُ أنْ يتبنى برنامجٌ حكوميٌ حقيقيٌ وقابلٌ للتنفيذِ لإصلاحِ التعليمِ العالي في العراقِ عليهِ أنْ يدعوَ إلى مؤتمرٍ وطنيٍ تقدمَ فيها رأى ومقترحاتٍ منْ خبراءَ تضمنَ الانتقالُ بجامعاتنا إلى مصافِ الجامعاتِ العالميةِ الرصينةِ . نعمْ نحنُ بحاجةِ إلى مراجعةٍ وتقييمٍ شاملٍ وحقيقيٍ لكلِ الجوانبِ السلبيةِ الدخيلةِ على مؤسساتنا التعليميةِ منْ أجلِ تجاوزها والعملُ على إصلاحِ الخللِ ما أمكنَ إصلاحهُ . هيَ دعوةٌ صادقةٌ إلى تبني مسارٍ وطنيٍ لإصلاحِ التعليمِ العالي والابتعادِ عنْ ممارسةٍ سياسيةٍ حقلَ التجاربِ على كلياتنا وجامعاتنا منْ خلالِ تطبيقِ هذا البرنامجِ أوْ ذاكَ . ما يصلحُ لغيرنا ليسَ بالضرورةِ ملائمٌ لنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق