لاشك إن للتقدم العلمي والتقني لدول العالم المختلفة الأثر الكبير على مستويات حوسبة مؤسسات المعلومات فيها، لهذا كان هناك تباين واضح بين الدول المتقدمة والدول النامية في هذا المجال. وإذا ما أخذنا مؤسسات المعلومات والمكتبات منها على وجه الخصوص في الدول المتقدمة أنموذجا، يمكننا تصنيف الحوسبة فيها إلى ثلاث مستويات أساسية وهي :
المستوى الأول: المكتبات المحوسبة (الإلكترونية).
في هذا المستوى يتم التحول من الشكل التقليدي والعمل اليدوي الذي ينجز في المكتبات تدريجيا، باتجاه استخدام الحواسيب، وقد يكون هذا التحول جزئياً أو كليا في كل أو بعض الأعمال المكتبية. على سبيل المثال استخدام نظام محوسب للإعارة بدلا من النظام اليدوي، أو تحويل الفهرس البطاقي إلى فهرس آلي وهكذا، بالنسبة للخدمات والإجراءات الأخرى. لكن السمة الأساسية لهذا المستوى هي في حفاظه على الهدف العام من الخدمة وإجراءات تقديمها. بمعنى إن جوهر الاختلاف يكمن في آلية التنفيذ بين الحاسوب والعمل اليدوي، لكن المشكلة هنا ترتبط في الحاجة المستمرة للعمل اليدوي كونه ركيزة التحول إلى العمل المحوسب، فبناء نظام الفهرس الآلي يقوم على أساس وجود فهرس بطاقي، الذي تحتفظ به معظم المكتبات إلى جانب الفهرس الآلي، وهذا الحال ينطبق على نظام الإعارة وغيرها من أنظمة المكتبة الأخرى، التي يتم حوسبتها. وعليه يمكن القول إن ناتج العمل اليدوي(المخرجات) تكون ذاتها مدخلات النظام المحوسب في هذا المستوى، أو يكون النظام المحوسب في المكتبات مكملا للنظام اليدوي فيها.
وعليه فان الهدف الأساسي لحوسبة المكتبات هو تحقيق سرعة ودقة عاليتين في تنفيذ الإجراءات وتقديم الخدمات، بالاعتماد على مميزات الحواسيب في هذا المجال. فالفهرس الآلي(المحوسب) على سبيل المثال يختلف عن الفهرس البطاقي في جوانب السرعة والدقة والشمولية. لكن معطياته تؤدي إلى نتيجة مماثلة لتلك التي نحصل عليها باستخدام الفهرس البطاقي وهي الوصول إلى المصدر الورقي مع الأخذ بنظر الاعتبار فارق الجهد والسرعة والدقة. ومن اهم مميزات هذا المستوى:
- 1. استيعاب المستفيدين لمراحل التطور في مهام وخدمات المكتبة بشكل تدريجي.
- 2. اكتساب العاملين مهارة التعامل مع الحاسبات على مراحل تقدم العمل.
- 3. كسب رضا المستفيدين مع تحويل كل خدمة من الخدمات.
- 4. كسب دعم الجهات المسؤولة ماديا ومعنويا.
- 5. قابليتها الى التحول بشكل اسرع الى المستوى الرقمي.
- 6. محافظتها على الشكل التقليدي للمؤسسة ودورها المعتاد.
المستوى الثاني: المكتبات الرقمية
يختلف مفهوم المكتبات الرقمية Digital Libraries عن مفهوم المكتبات المحوسبة Computerize Libraries في علاقة الأخير بالنظام التقليدي، فالنظام الرقمي يتكامل عندما يتم الاستغناء نهائية عن الطرائق اليدوية في العمل المكتبي إلى الطرائق المحوسبة، بحيث يكون الحاسوب و كل ما يتصل به من معدات و وسائط خزن رقمية أدوات لتنفيذ العمل في مراحله المختلفة. ويبقى الجهد البشري مسؤول عن تشغيل وتوجيه هذه الأدوات لتنفيذ الوظائف والأعمال وتقديم الخدمات. واهم ما يميز هذا النوع من المكتبات هو الطبيعة الرقمية لمصادر المعلومات التي كانت قد حافظت على شكلها الورقي في المكتبات المحوسبة. و المستفيد هنا يتعامل بشكل مباشر مع معطيات رقمية، فعندما يستخدم المستفيد الفهرس الآلي في المكتبات المحوسب تكون غايته الحصول على معلومات تمكنه من الوصول السريع والدقيق إلى مصدر أو مصادر معلومات موجودة بشكلها الورقي. لكن الفهرس الآلي في المكتبات الرقمية يُمَكن المستفيد من الوصول المباشر إلى مصادر المعلومات المنشورة الكترونيا،ً بغض النظر عن وجود أو عدم وجود نسخة ورقية لها. وعلى هذا الأساس فأن السمات التي تمييز المكتبات الرقمية عن المكتبات المحوسبة هي :
- 1. الجهد الإجرائي أقل حيث تنتفي الحاجة للعديد من الإجراءات الفنية التي كانت موجودة، مثل تسجيل المصادر وفهرستها وترتيبها في المخازن…الخ.
- 2. ميزانية أقل بسبب انخفاض كلفة المصادر المنشورة رقميا مقارنة مع المصادر الورقية، مثال على ذلك الموسوعة البريطانية التي يجاوز سعر نسختها الورقية عشرة أضعاف سعرها عندما تكون مجهزة على قرص مدمج.
- 3. ملاكات وظيفية أقل بسبب الاستغناء عن العديد من المهام والوظائف التي كانت موجودة لأغراض العمل التقليدي.
- 4. توفر معلومات بشكل أوسع واشمل، كونها مفتوحة على مقتنيات ومصادر معلومات عدد كبير من المكتبات ومؤسسات المعلومات، من خلال الاتصال المباشر، أو الاشتراك في شبكات المعلومات.
- 5. بنايتها أصغر من المعتاد لعدم حاجتها إلى مخازن كتب ومصادر المعلومات الأخرى، بحجم كبير ،لقلت المصادر الورقية فيها
.
المستوى الثالث: مكتبات الافتراضية (مكتبات الواقع الافتراضي)
هناك مفهومين للمكتبات الافتراضية: الاول يقصد به نقل المكتبات بمصادرها الرقمية الى بيئة الانترنت وادارتها من خلال الموقع الرسمي للمكتبة، بالتالي يتمكن المستفيدين من الوصول الى مصادر المعلومات عبر الانترنت. وقد تكون المكتبات الافتراضية نسخة من المكتبات الموجودة فعلا او لا يوجد لها ارتباط مع اي مكتبة. اذا ساعدة مبادرات الوصول الحر(المفتوح) من اتاحة كم هائل من المعلومات من خلال الانترنت. علما ان قوانين الملكية الفكرية تبقى العائق الاهم امام انتشار هذا النوع من المكتبات. اذ تبقى في حدود المصادر المجانية. اما النوع الثاني فظهر مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين ظهر وهو ما يعرف بمكتبات الواقع الافتراضي Virtual Reality Libraries ويعد هذا النوع قمة التطور التقني لمؤسسات المكتبات. والمكتبة الافتراضية هي بيئة مرئية ثلاثية الأبعاد تحاكي الواقع بالصورة والصوت واللمس. حيث يتمكن المستفيد باستخدام المعدات الخاصة التي تتكون من جهاز العرض المثبت على الرأس Head Mounted Display و قفاز البيانات Data Glove المرتبطة بحاسوب، من التجوال في المكتبة والتعرف على مصادر معلوماتها بالتصفح والاستطلاع. والجدير بالذكر إن المكتبات الافتراضية ليست نوعاً جديدا من المكتبات مستقل بذاته، وإنما هي مكتبات مفترضة تحاكي مكتبات عالمية موجودة فعلا مثل مكتبة الإعارة البريطانية. كما إن المكتبات الافتراضية تعتمد بشكل كامل على البيئة الرقمية للمعلومات. وتمتاز المكتبات الافتراضية بانها قمة التطور التقني في مجال العمل المكتبي لكنها قد لا تنجح في ظل ضعف الوعي المعلوماتي للمستفيدين و ضعف خدمات الانترنت . بعد استعراض المستويات الثلاث للحوسبة في المكتبات نلاحظ إن كل مستوى قائم على المستوى السابق وأحيانا مكملا له . فالمكتبات المحوسبة هي في واقع الأمر مكتبات تقليدية استثمرت تقنيات الحواسيب في تبسيط إجراءاتها وتحسين خدماتها بما يتلاءم ومتطلبات عصر المعلومات، والحاجات الملحة للمستفيدين. أما المكتبات الرقمية فتعد نوعاً متقدما في مستويات الحوسبة لتشمل جميع مفاصل ومراحل العمل المكتبي بدأً من الاختيار والتزويد والمعالجة والخزن والاسترجاع وانتهاءً بالتوزيع الرقمي لمصادر معلوماتها. وتأتي المكتبات الافتراضية لتحاكي المكتبات باستخدام نظم الحاسوب المتطورة التي يمكن من خلالها بناء بيئة خيالية ثلاثية الأبعاد، يكون المستفيد منها في تماس مباشر مع مصادر المعلومات بطبيعتها الرقمية، وبمعزل عن أي حدود أو إجراءات تفرض على أسلوب البحث والإفادة من مصادر المعلومات. وبشكل عام فان عملية التحول من مستوى إلى أخر تأخذ منهجا تسلسليا بدأ من حوسبة بعض المهام والوظائف الأساسية للمؤسسة، مرورا ببناء البيئة الرقمية لمصادر المعلومات، وصولا إلى البيئة الافتراضية التي يتمكن المستفيدين من خلالها الإفادة من المكتبات ومصادرها من خلال الانترنت. وعموما مازالت تجاربنا المحلية عند المربع الأول لعملية الحوسبة، إذ لم تتخطى مستوى الحوسبة الجزئية للخدمات والإجراءات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق