الانترنت: من مشروع علمي غامض الى تكنولوجيا يستخدمها بلايين البشر - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الأحد، 5 نوفمبر 2017

الانترنت: من مشروع علمي غامض الى تكنولوجيا يستخدمها بلايين البشر


الدكتور طلال ناظم الزهيري 
استاذ المعلومات في الجامعة المستنصرية
في مقال سابق كنا قد نوهنّا الى ان معظم الاكتشافات والاختراعات، كانت ترتبط بشكل او باخر بالصراعات والحروب. وقد يجهل البعض، إن الانترنت هذا المنجز البشري العملاق، كان احد أهم هذه الابتكارات. اذ ساعدت عوامل عديدة الى دفع اصحاب القرار في الجيش الامريكي، الى البحث عن آلية جديدة للاتصالات تضمن تدفق المعلومات بشكل آمن ومستمر، تجنباً لمخاطر حدوث مواجهة عسكرية او التعرض لضربة استباقية من طرف ما. ويذكر ايضا ان حمى التنافس بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الامريكية في المجالات العسكرية كان قد بلغ مستوى عالي جداً، ولقد شاب العلاقة بين الدولتين خلال مراحل مختلفة شد وجذب واختلافات عميقة كادت تؤدي في احيان كثيرة الى اندلاع مواجهة عسكرية بينهما.
ان حالة اللاحرب واللاسلم بين الدولتين كانت توصف اعلاميا بالحرب الباردة. تلك الحرب التي كانت اركانها تقريبا مكتملة لدى الطرفين منذ عام 1950 وحتى عام 1990ولم يكن ينقصها سوى قرار الضغط على الزناد. ولعل دخول الاسلحة النووية الى ترسانة كلا البلدين كان ينذر بعواقب وخيمة في حال استخدامها بعد ان اختبر العالم فعليا حجم الدمار الذي تخلفه هذه الاسلحة. ولعل قيام الولايات المتحدة الامريكية باسقاط قنبلتين نوويتين على مدن هيروشيما وناكاساكي اليابانيتين. شاهد على حجم الدمار الذي يمكن تخلفه القنابل النووية. اذ كان من القوة بحيث يمكن ان يعزل المناطق المستهدفه فيها عن العالم، بعد أن يدمر البنى الاساسية تدميراً كلياً. ولعل المهتمين بالشأن العسكري، يدركون إن إحدى أهم متطلبات إدارة العمليات العسكرية أثناء المعّارك، هو استمرار خطوط الاتصال مفتوحة بين مقرّات القيادة العسكرية. ومع نجاج الاتحاد السوفيتي السابق من غزو الفضاء لاول مرة في تاريخ البشرية باطلاق القمر الصناعي Sputnik 1][ ، وما خلفه هذا الانجاز العلمي من ردود أفعال وقلق شديدين لدى القيادات السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة الامريكية التي رفعت شعار [A Nation at Risk]  والذي اصبح لاحقا عنوان تقرير شامل للاصلاح التربوي والتعليمي في امريكا يهدف الى النهوض بواقع العملية التعليمة لتحقيق التقدم العلمي والتفوق على الاتحاد السوفيتي. ولعل واحدة من اسرع واهم ردود الافعال على اطلاق القمر الصناعي، هو قيام وزير الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية [Neil McElroy] في عام 1958 التوقيع على مرسوم تشكيل [ARPA] وكالة مشاريع البحوث المتقدمة. التي اوكلت لها مهمة تنفيذ البحوث والمشاريع العلمية بالتعاون مع المؤسسات البحثية والاكاديمية الامريكية. كان الشغل الشاغل لوزارة الدفاع الامريكية تامين شبكة اتصالات غير تقليدية، بحيث لا  تتطلب وجود بدالات مركزية او مقرّات بالمعنى الشائع، وإنّما يمكن ان تحقق الاتصال من خلال ربط الحواسيب مع بعضها البعض، حتى تتيح امكانية إرسال المعلومات واستقبالها حتى في ظل ظروف فقدان اي من هذه الحواسيب او تعرض مكانه الى التدمير. بحيث لا تتاثر عملية الاتصال بين الحواسيب الاخرى. على عكس الاتصالات الهاتفية التي تتوقف كلياً اذا تم استهداف مقر البدالة الرئيسية. وعليه يمكن القول ان امكانية اتصال حاسوبين وتناقل المعلومات فيما بينهما كان يمثل نواة فكرة الانترنت أو الشبكة العنكبوتية التي جاءت عام 1962 بعد اطلاق مشروع برعاية وتمويل من شبكة وكالة مشاريع البحوث المتقدمة Advanced Research Projects Agency Network [Arpanet]  احدى وكالات وزارة الدفاع الامريكية. ومع بداية المشروع تنبه القائمون عليه ان الصبغة العسكرية له ستجعل منه هدفاً سهلاً يمكن استهدافه او اختراقه. وهو الامر الذي دفع وزارة الدفاع الامريكية عام 1969 الى اتخاذ قرار يسمح بربط حواسيب اربع جامعات امريكية الى الشبكة، بهدف معلن هو الاستفادة من القدرات العلمية والتشغيلية للحواسيب المتوفرة في تلك المؤسسات، الا ان الحقيقية تختلف تماماً عن ذلك اذ كان بامكان وزارة الدفاع ان توفر اي عدد من الحواسيب فضلا عن امكانيات استقطاب العلماء بعقود معها لاحداث التطوير الذي ترمي اليه، لكن الغاية من ربط الجامعات والمؤسسات العلمية كان يهدف بالدرجة الاساس الى اضفاء الصبغة المدنية والعلمية على المشروع ومحاولة اخفاء الجانب العسكري له قدر الامكان. فكما هو معلوم ان المواثيق والمعاهدات الدولية كانت تحرم استهداف المؤسسات التعليمية والمدنية بشكل مباشر اثناء النزاعات والحروب. الامر الذي كان يمكن ان يبقي على نقاط اتصال مفتوحة من خلال حواسيب تلك الجامعات في حال تعرضت حواسيب وزارة الدفاع الى الخطر. مع هذا تطورت اهداف وزارة الدفاع الامريكية بتطور آلية عمل الشبكة ذاتها. اذ تم عام 1973 السماح لاول مرة ربط حاسوبين الى الشبكة من خارج الولايات المتحدة الامريكية، الاول كان في انكلترا والاخر في النرويج، وبذلك تحولت الشبكة الى النطاق الدولي.

لاحقا وتحديدا عام 1982 تم تطوير بروتوكول تراسل البيانات [TCP/IP] ليعلن عن بداية ظهور مصطلح [INTERNET]. وفي عام 1990 تم ايقاف العمل نهائيا بـ [ARPANET] و  الإعلان للجمهور عن خدمة World Wide Web، وظهور لغة كتابة صفحات الإنترنت (HTML). مما فتح المجال الى اعداد كبيرة من المستخدمين داخل وخارج الولايات المتحدة الامريكية الدخول الى الشبكة. وبعد عام 2000 أصبحت البنية التحتية للإنترنت شبه ثابتة، وأصبح التطور واضحا أكثر على مستوى البرمجيات والخدمات التي تقدمها شبكة الإنترنت، فتطورت صفحات الإنترنت الثابتة إلى صفحات ديناميكية تعتمد على لغات البرمجة المختلفة، التي مهدت إلى ظهور جيل جديد من خدمات الإنترنت. (Cohen, 2015). 
وبشكل عام أجمل  (Fitzpatrick، 2017): العوامل التي ساعدت على وصول الانترنت الى ما وصلت اليه الآن بالاتي:
1.    عام 1958 وزارة الدفاع الامريكية تؤسس وكالة مشاريع البحوث المتقدمة[ARPA] .
2.    عام 1962 اقترح J.C.R. Licklider احد العلماء العاملين في وكالة مشاريع البحوث المتقدمة ربط مجموعة من الحواسيب لبناء منظومة اتصال آمنه تؤمن تناقل المعلومات في حال التعرض الى ضربة نووية محتملة.
3.    عام 1965 عرفت الشبكة باسم شبكة وكالة مشاريع البحوث المتقدمة [ARPANET]. وبحلول عام 1969 قام المقاول العسكري [Bolt Beranek] بتقدم نموذج مبتكر من اجهزة التوجيه الذي عرف باسم The Interface Message Processor [IMP]. والذي احدث ثورة في مجال نقل البيانات.
4.    في عام 1982 اعتمدت [ARPANET]على بروتوكول التحكم في ارسال البيانات [TCP[، وعملت على فصل الشبكة العسكرية منها. والعمل على تخصيص مجموعة فرعية من الشبكة للبحوث العامة والتي اطلقت عليها اسم شبكة مؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation Network (NSFNET).
5.    شبكة جامعة ستانفورد المحلية تربط محطاتها الطرفية مع [ARPANET] عام 1983.
6.    في عام 1989 انشأ [Tim Berners] المنظمة الاوربية للبحوث النووية وابتكر بروتوكول نقل النص التشعبي[HTTP]  وهو التوحيد الذي أعطى منصات الكمبيوتر المتنوعة القدرة على الوصول إلى نفس المواقع على الإنترنت.  لهذا السبب، يعتبر بيرنرز-لي على نطاق واسع والد الشبكة العالمية.
7.    عام 1993 تم تطوير متصفح الانترنت [Mosaic] من قبل المركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة [NCSA] . في جامعة الينوي. ولقد دعم المتصفح امكانية عرض الصور والكثير من ادوات الواجهات الرسومية المتعارف عليها اليوم.
8.    عام 1995 توسع نطاق الانترنت ليشمل الانشطة التجارية. بالتالي تحولت الانترنت من مجرد مشروع بحثي غامض  عام 1962 الى تكنولوجيا يستخدمها البلايين من البشر حول العالم عام 2017.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق