الدكتور
طلال ناظم الزهيري
تعد نظرية المعرفة التي يعبر عنها باللغة اللاتينية مصطلح [Epistemology] الذي
يتكون من مقطعين [Episteme] ويقابل [Knowledge] و [Logia] الذي يعني [Science, or Study] اي علم المعرفة او علم دراسة المعرفة احد اهم
فروع الفلسفة ومجال تنظير واسع في الدراسات الفلسفية التي تبحث في طبيعة المعرفة و مصادرها . وغالبا ما يتركز
الكثير من النقاش حول نظرية المعرفة بكل ماله علاقة بين الذات العارفة (الانسان) و
الموضوع المعروف (الشيء الخارجي) بالتالي فأن الاطار العام للبحوث الفلسفية غالبا
ما يركز على البحث في المشكلات الناشئة بين الذات المدركة والموضوع المدرك. وترتبط
اهمية نظرية المعرفة بأهمية قطع الشك باليقين اي كيف يمكن ان نعرف اننا نعرف، فضلا
عن ضرورة تقيم ما نعرف الى ما نجهل او التعرف على قيمة ما نعرف، واخيرا القدرة على
قياس ما نعرف الى ما كان يمكن ان نعرف بمعنى مدى ما نعرف الى نطاق المعرفة الكلي. و
دراسة العلاقة تلك يمكن ان تكون في أربعة مجالات: هي التحليل الفلسفي لطبيعة
المعرفة وكيفية ارتباطها بمفاهيم مثل الحقيقة والمعتقد والتبرير ، و مشكلات مختلفة
من الشك، فضلا عن مصادر ونطاق المعرفة، و اخيرا معايير المعرفة. ومن منظور فلسفي
تحاول نظرية المعرفة ان تجيب عن أسئلة مثل: ما الذي يجعل المعتقدات او الفكرة المبررة
مبررة.؟ وماذا يعني أن نقول أننا نعرف شيئًا ما.؟ وكيف ندرك اليقين المعرفي.؟ ولعل
ما يميز نظرية المعرفة عن باقي مجالات الدراسات الفلسفية انها جذبت اهتمام عظماء
الفلاسفة وعلى مر العصور . ونحاول هنا ان نلخص اراء اهم الفلاسفة حول نظرية
المعرفة قبل التحول الى دراسة المفهوم من منظور معلوماتي :
نظرية المعرفة عند
افلاطون. لم يكن افلاطون مؤمنا بالعالم المادي الذي ندركة بالحواس حتى سماه بعالم
الاشباح والظلال فهو عالم متغير من وجهة نظره قابل للزوال والاضمحلال . بالتالي
كان يبحث عن عالم اخر يتصف بالثبات يقابل هذا العالم المتغير وهو عالم الصيرورة
الكوني الذي سماه عالم (المثل). هذا العالم يمكن ان يدركه الانسان عندما يبدأ بالتعرف
على الاشياء والكائنات من حوله، لكن عملية التعرف تلك، لن تكون استكشاف جديد وانما
هي استدراك واستذكار لما كان يعرفه في عالم المثل. بالتالي اعتقد ان افلاطون كان
ينظر الى المعرفة البشرية على انها ناتج عملية فطرية بمعنى اننا نولد ونحن نعرف
الاشياء و الكائنات لاننا كنا حاضرين لحظة خلقها في عالم المثل وكل ما علينا في
عالم الاشباح والظلال هو محاول ان نعيد تذكرها. و على وفق هذا المنطق يعتقد
افلاطون ان الانسان هو عبارة عن نفس و جسد، النفس هي الاصل المادي التي توجد قبل
الجسد في عالم المثل. اما الجسد فهو انعكاس النفس في عالم الاشباح. بالتالي فان ما
يعرفه الجسد هو مرأة لما سبق للنفس ان عرفته. وعليه عندما يشاهد الانسان الحصان
لاول مرة يعرف انه قد شاهده وتعرف عليه في عالم اخر. وهكذا تتاخر حالة الادراك الى
حين ظهور الموضوع المدرك.
المذهب التجريبي عند جون لوك.
انكر جون لوك (
1632
– 1704(. الطبيعة الفطرية للمعرفة
التي آمن بها افلاطون. وعلل ذلك بأن الفطرة البشرية لو كانت هي التي تتحكم
بالمعرفة لكان كل البشر على دين ومعتقد ومبادئ واحدة. الا ان الحقيقية غير ذلك
تماما. بالتالي يرى لوك ان العوامل الحسية تؤدي دورا رئيسيا في اكتساب المعرفة
فالطفل من وجهة نظره يولد وعقله اشبه بصفحة بيضاء ثم يبدأ تدريجيا بتكوين معرفته
الشخصية من خلال التجارب الحسية، هو يختبر الاشياء قبل ان يتعرف عليها. وفي كتابة
(
مقال
في
الفهم
البشري)
حاول لوك أن يوضح كيف أنه بمقدور الإنسان أن يستعمل عقله كي يعرف ما هو بحاجة إلى معرفته.
المثالية النقدية
ايمانويل كانط. يرى كانط (1724
- 1804)
إن الاعتماد على الحواس في اكتساب المعرفة امر مبالغ فيه. اذ يعتقد ان الحواس تعمل
على تجميع المعطيات من مصادرها الطبيعية لكن هذه المعطيات غالبا ما تحتاج الى
تنظيم و ترتيب حتى تصل الى نهايتها المنطقية لتصبح معرفة مدركة، وهنا لا بد ان
يكون هناك دور للعقل في تنظيم واستخلاص المعارف الحسية. وبهذا المعتقد يكون كانط
قد اتخذ موقفا وسطا بين العقليين والحسّيين ، فلانسان يدرك المعطيات الحسية ثم
يقوم العقل بتنظيمها لتصبح معرفة. ويفرق كانط بين عالمين للمعرفة ، الاول هو عالم
الظواهر والثاني هو عالم الاشياء في ذاتها. اذ يعتقد ان مجال المعرفة الحيوي هو
ضمن نطاق العالم الاول اما العالم الثاني فلا يمكن بلوغ معرفته الا بالتسليم
الاخلاقي بوجوده.
بعد الاطلاع على
منظور الفلاسفة لنظرية المعرفة وتعقيداتها الفكرية نحاول ان نتحول الى ادراك من
نوع اخر لنظرية المعرفة قائم على حقيقية جوهرية مفادها ان المعرفة البشرية ليست
مفهوم قائم بذاته فهي حلقة متصلة مع مفاهيم اخرى مثل البيانات و المعلومات بالتالي
اي صياغة لنظرية المعرفة لا بد ان يبدأ من ارتابطاتها تلك. وسبق لنا ان تطرقنا في
مقال سابق الى مجموعة من الخصائص الرئيسة للمعرفة وقلنا في اولها انها ناتج
التفسير العلمي للظواهر الذي يركتز على
معطيات تم التحقق منها واختبارها. والثاني هو انه تفسير اكتسب اجماع علمي ولا يوجد
تفسير اخر يحضى بالاجماع نفسه. والثالث انه تفسير مكتمل وغير قابل للتجزئة بمعنى
لا يمكن استبعاد عامل من العوامل المؤثرة في حدوث الظاهرة دون ان نحدث خلل في
التفسير العلمي لها. واليوم احاول ان اقدم رؤيا شخصية لنظرية المعرفة من منظور
معلوماتي قائم على اربع مرتكزات اساسية:
التراكم المعرفي.
التراكم مرتكز اساسي لنظرية المعرفة بالتالي فأن ادراك المدرك لا يحتاج الى تجربة
حسية جديدة كما ذهب (جون لوك) لان ما تعلمه الاباء سوف يورث للابناء وليس على
الاجيال اللاحقة ان تعيد اكتشاف العجلة. اذن يمكن القول ان المعرفة البشرية قد تكون
موروث اجتماعي تقوم عليه ثقافات الشعوب، كما ان تدخل العقل في تنظيم المعطيات
الحسية لتوليد المعرفة كما ذهب (كانط) يمكن ان يحث لمرة واحدة فقط ولا يتطلب
التكرار على المستوى الشخصي. وهنا نخرج بالمعرفة من اطارها الفردي الذي كان محور
اهتمام الفلاسفة الى اطارها المجتمعي، ولان تراكم المعرفة هو محصلة نهائية تقوم على مبدأ المشاركة بمعنى أخر انت تعرف ما
اعرف وانا اعرف ما تعرف.
نمو وتطور المعرفة.
ان نظرية المعرفة من منظور فلسفي كانت وما تزال تناقش من خلال اطارها الفردي. اما
بالنسبة لنا في مجال المعلومات فاننا نظر اليها من خلال منظومة اوسع تمثل المجتمع
بالتالي فأن نمو وتطور المعرفة سمة من سمات المجتمعات المتحضرة. وهنا نشير ايضا ان
مفهومنا للمعرفة اوسع بكثير من مفهوم الفلاسفة الذي ركز على الاشياء والظواهر
بعيدا عن تفسيراتها العلمية. فالرجل الواقف على ساحل البحر يتعرف على ظاهرة المد
والجزر كمعرفة شخصية مجردة وبمعزل عن اسباب حدوثها بالتالي سيبقى شخص اخر في مكان
اخر لا وجود لبحر فيه جاهلا بهذه الظاهرة. اما منظورنا للمعرفة فهو التركيز على
المسبب وتعميم المعرفة من خلال قنوات النشر التقليدية والذي سوف يسهم الى نمو
وتطور المعرفة من حدودها القطرية الى العالمية.
التكامل المعرفي. ليس
ببعيد عن مفهوم التراكم فأن التكامل المعرفي يعني ان تجميع المعرفة البشرية من
مصادرها الفردية سوف يسهم في توليد معرفة جديدة والتي يمكن ان تقدم تفسيرات لظواهر
طبيعية لم تكن معروفة. على سبيل المثال ان معرفة (كروية الارض) عندما تكامل مع
معرفة (دوران الارض) مكنت علماء الفلك من تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية التي
ما كان يمكن تفسيرها في حدود اي منهما.
الاستدلال المعرفي.
قد يكون جان بياجيه (1896-1980) في نظريته التطور المعرفي قد لا مس مفهوم
الاستدلال المعرفي من خلال التطور المعرفي للطفل اذ "اعتقد أن الأطفال يؤسسون
فهماً وإدراكاً حول العالم المحيط بهم كما يؤسسون خبراتٍ متباينةً بين ما يعرفونه
أصلاً وما يكتشفونه في بيئتهم، ثم يعدّلون أفكارهم وَفقاً لذلك" . لكن مفهوم
الاستدلال المعرفي من منظور علم المعلومات يمكن ان نصفه بدلالة مفهوم بياجيه
بالقول: يمكن للعلماء ان يؤسسون فهما وادراكا للظواهر المحيطة بهم من خلال
الاستدلال بما يمتلكونه اصلا من معرفة لا كتشاف معرفة جديدة. وخير مثال على ذلك هو
كيف استدل العالم نيوتن الى قانون الجاذبية بدلالة سقوط التفاحة من الشجرة. فضلا
عن ذلك ان الاستدلال المعرفي ليس بالضرورة ان يكون من منطلق المعرفة الذاتية وانما
يمكن ان نستدل على معرفة جديدة بدلالة معرفة لعلماء اخرين وهذا هو جوهر البحث
العلمي اليوم واساس تطور المعرفة البشرية.
ختاما نشير الى اوجه
الاختلاف بيننا كمتخصصين في مجال المعلومات مع الفلاسفة في تناول موضوع نظرية
المعرفة يمكن ان نلخصه بالاتي :
نظرية المعرفة من
منظور فلسفي ركزت على المعرفة الفردية في الوقت الذي ننظر الى المعرفة في اطارها
المجتمعي. ركز الفلاسفة على مصادر المعرفة وطرائق اكتسابها. في الوقت الذي ركزنا
فيه على طرائق نموها وتطورها. كما نظر الفلاسفة الى المعرفة باعتبارها حلقة مستقلة
قائمة بذاتها ونظرنا اليها على انها حلقة تتكامل مع البيانات والمعلومات. اختزل
الفلاسفة المعرفة بمسميات الاشياء والظواهر، وتوسع علماء المعلومات في المعرفة
لتشمل الحقائق والقوانين و كل ما موجود في المحيط الحيوي للانسان. واخيرا المعرفة
من منظور فلسفي واقعية ومادية نضيف عليها نحن النفسية و الخيالية والمستقبلية.
شكرا دكتور على طرحك للموضوع 🌹🌹🌹
ردحذفشكرا لك استلذ على هاته المعلومات
ردحذفشكرا استاذ على المعلومات القيمة
ردحذفسلام عليكم نظرية المعرفة كلمة من جمع كلمتين يونانيتين episteme بمعنى logos بمعنى حديث ,علم ,نقد دراسة فهي اذا دراسة العلوم النقدية تعتبر نظرية المعرفة أحد فروع الفلسفة الذي يدرس طبيعة ومنظور المعرفة
ردحذف