الانتحال العلمي وخيارات الردع القانوني - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الأحد، 10 مارس 2024

الانتحال العلمي وخيارات الردع القانوني

 أ. د. طلال ناظم الزهيري

مع تنامي النشر الرقمي، اكتسبت قضية الانتحال العلمي أهمية كبيرة بعد انتشارها في الأوساط الجامعية، مما ألقى بظلال كبيرة على المشهد الأكاديمي. وهذا يتطلب استجابة حاسمة من المؤسسات الأكاديمية لمواجهة تفشي هذه الظاهرة. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على خطورة هذه المشكلة وحث وزارة التعليم العالي العراقية على الإسراع في تطوير التشريعات القانونية التي تصنف الأبعاد المختلفة للسرقة العلمية. إذ يشكل الانتحال العلمي، الذي يتخذ أشكالا مختلفة، تهديدا واضحا لقدسية المساعي الأكاديمية. سواء من خلال النسخ المباشر، أو إعادة الصياغة، أو غيرها من الممارسات الخادعة، السرقة العلمية ليست جريمة بلا ضحايا؛ وتداعياتها بعيدة المدى تصل إلى تآكل المبادئ الأساسية للنزاهة العلمية. وتمتد إلى ما هو أبعد من الفعل الفردي، فتؤثر على رصانة المعرفة الأكاديمية، وتعرقل البحث اللاحق، وتعيق التقدم الفكري. وعلى الرغم من خطورة هذه الممارسة، إلا أن المشرع العراقي لم يتناول موضوع الانتحال العلمي صراحة وبشكل مباشر في القوانين القائمة مثل قانون العقوبات العراقي المعدل رقم (111) لسنة 1969 أو قانون حماية حق المؤلف رقم (3) لسنة 1971. 

مع العلم أن هذا النموذج من السرقات تنتهك المبادئ الأساسية للأمانة والنزاهة، بالتالي فإن غياب تدابير قانونية محددة يخلق فراغا أخلاقيا في الأوساط الأكاديمية، ويعرض النظام التعليمي للخطر خاصة عندما تتراجع ثقة الجمهور بالمؤسسات التعليمية. ومن أجل مكافحة الطبيعة المتعددة الأوجه للسرقة العلمية بشكل فعال، يجب أن تكون التشريعات بمثابة إطار قوي يصنف ويحدد بشكل واضح نماذج مختلفة من الانتحال. ويشمل ذلك معالجة حالات الانتحال الذاتي والتواطؤ وسرقة الفسيفساء فضلا عن عمليات التمويه بترجمة أعمال الغير، وتوفير هيكل شامل لتحديد الممارسات الخادعة والمعاقبة عليها. وينبغي أن يكون التشريع بمثابة رادع يحافظ على نزاهة المؤسسات الأكاديمية ويثني الأفراد عن الاستسلام لإغراءات عدم الأمانة الأكاديمية. بالتالي، ولتعزيز مكافحة الانتحال العلمي، ينبغي للمؤسسة المسؤولة عن التشريع العراقي أن تأخذ بنظر الاعتبار تنفيذ برامج تثقيفية لرفع مستوى الوعي حول عواقب الانتحال وأهمية النزاهة الأكاديمية. كما يجب التأكيد على أهمية اعتماد أدوات الكشف عن الانتحال داخل المؤسسات الأكاديمية الذي يمكن أن يحدد من حالات الاحتيال ويعالجها بشكل استباقي. إن تطوير ونشر مبادئ توجيهية لا لبس فيها بشأن الانتحال يضمن أن يكون جميع أصحاب المصلحة على علم جيد بشأن التعرف على مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية ومنعها. علاوة على ذلك، فإن فرض مجموعة من العقوبات، بما في ذلك العقوبات الأكاديمية، والغرامات، والطرد على أساس خطورة السرقة الأدبية، يبعث برسالة واضحة مفادها أنه لن يتم التسامح مع خيانة الأمانة الأكاديمية.

في الختام، ومن خلال فهم النماذج المختلفة للسرقة العلمية واساليب تنفيذها نجدد الدعوة لوزارة التعليم والعالي والبحث العلمي العراقية الى ضرورة التصدي للسرقة العلمية من خلال اتباع نهج شامل قائم على وجود تشريعات قوية كعنصر محوري. يوفر غطاء قانوني لفرض عقوبات صارمة، عندها فقط يستطيع العراق تعزيز ثقافة النزاهة الأكاديمية، وحماية مستقبل التعليم والبحث. كما نؤكد ايضا على اهمية اتخاذ موقف حازم ضد هذه الممارسات حفاظا على قدسية المساعي العلمية للأجيال القادمة .

منقول من جريدة المدى العدد 5567

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق