الاقتباسات العلمية: فلسفتها وآلية تنفيذها - الدكتور طلال ناظم الزهيري

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

الاقتباسات العلمية: فلسفتها وآلية تنفيذها



الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ المعلومات في الجامعة المستنصرية
في مجال البحث العلمي تسمح قوانين حقوق الملكية الفكرية تضمين البحث او الدراسة اقتباسات نصية او صورية من بحوث ودراسات سابقة. لكن هناك شروط تفرض على الباحث اثناء تنفيذ عملية الاقتباس. خاصة ونحن نعلم إن الفرق بين الاقتباس والانتحال يرتبط بوجود الاشارة المرجعية للمصدر المقتبس منه. وهو ما تحدثنا عنه في مقال سابق عن " الاشارة المرجعية والاستشهاد المرجعي". فاذا اشار الباحث الى مصدر الاقتباس وحدد موضعه بالضبط يقبل منه، اما اذا تجاهل الباحث الاشارة الى المصدر الذي اقتبس منه، بقصد او دون قصد، يعد ذلك انتحالاً يعرض صاحبه للمسائلة القانونية، بغض النظر عن حجم ونوع الاقتباس.
و لاهمية هذا الموضوع نحاول هنا ان نقدم فكرة مبسطة وموجزة عن الاقتباسات العلمية، حتى نجنب شريحة واسعة من طلاب الدراسات العليا من الوقوع في المحظور أثناء كتابتكم لرسائلهم الجامعية. ولنبدأ بالقول ان الاقتباسات العلمية بشكل عام وفي مختلف التخصصات قد تكون فهمت خطأ من البعض. اذ قد يجهل الباحثون المبتدئين منهم على وجه الخصوص، فلسفة الاقتباس العلمي ودوره في التكامل المعرفي. وعليه غالبا ما نطلع على بحوث ودراسات تكاد تكون عبارة عن مجموعة من متسلسلة من الاقتباسات العلمية، للدرجة التي قد تتضمن الصفحة الواحدة الى خمس او اكثر من الاشارات المرجعية. ولا ابالغ اذا قلت، ان بعض البحوث أو الرسائل في فصولها النظرية تحتوي على قائمة مصادر طويلة جدا للدرجة التي يمكن التنبأ من خلالها ان الباحث لم يكتب شئ من عنده. ولعل البعض لا يجد حرجاً في ذلك، بالقول انه اشار الى المصادر التي اقتبس منها.! ان هذه الممارسة ادت الى ظهور نتاج فكري (مجتر!) في الدراسات الانسانية والاجتماعية بشكل خاص. وبشكل عام على الباحث ان يدرك ان فلسفة الاقتباسات العلمية غالبا ما تكون رهينة بمواقف فكرية يتبناها الباحث اثناء كتابة البحث. والتي احاول ان اجملها في الاتي :
- الانحياز. الوقوف على الحياد من افكار الاخرين في البحث العلمي اعتقد انها حالة غير صحية. اذ عندما تقتبس مجموعة من التعاريف لمصطلح (المكتبات الالكترونية) على سبيل المثال. لا يجوز ان تقف على الحياد من هذه التعريفات، بل عليك ان تجد الاقرب منها الى فهمك الشخصي للمصطلح وتنحاز اليه. على ان لا ينتهي الموضوع بالقول انا اتفق مع ما ذهب اليه (فلان) في تعريفه للمكتبات الالكترونية، وانما عليك ان تبين لماذا انت تتفق معه وتختلف مع الاخرين.
- الاختلاف. بعض الافكار والمواقف قد تتعارض كلياً أو جزئياً مع ما نعتقده نحن، لذا قد نقتبس افكار ومفاهيم من دراسات وبحوث سابقة، حتى نقوم بتقديم ما يثبت وجهة نظرنا حولها. على سبيل المثال قد تقتبس ايضا تعريف للمصطلح (المكتبات الالكترونية). لتقول انا اختلف مع الكاتب في تعريفه للمكتبات الالكترونية لاني اعتقد انها تعني شئ يختلف تماما. وتعرض وجهة نظرك.
- الدعم. احيانا كثيرة نطرح افكار ومفاهيم جديدة من خلال البحث. ولاثبات صحة ما ذهبنا اليه نحتاج الى اقتباسات علمية ندعم بها افكارنا، خاصة في القضايا الجدلية التي تتحمل اكثر من وجهة نظر. على سبيل المثال ايهما اكثر اهمية (الانترنت) ام (المكتبة).
- الرفض. بعض النظريات العلمية قد تخضع للمراجعة والتدقيق والدراسة، وقد نصل الى حقائق جديدة يمكن من خلالها رفض تلك النظريات او المفاهيم السائدة في مجال علمي معين، لذا قد نقتبس مفهوم معين حتى ندحضه ونقدم ما يثبت بطلانه.
- التكامل المعرفي. في البحث العلمي ليس علينا ان نعيد اختراع العجلة مراراً وتكراراً. اذ يكفي ان نبدأ من حيث ما انتهى الآخرون. لكن في موضوع التكامل المعرفي، يجب ان لا نعيد اقتباس المفاهيم والافكار التي سبق نشرها في بحوث ودراسات سابقة. بل من الافضل ان نكتفي بالتنويه عنها ونضع ما يشير اليها بالقول لمزيد من المعلومات عن الموضوع مراجعة (....) وتضع الاشارة المرجعية له.
اذن هذه المواقف الفكرية وغيرها من الامور التي سوف نتناولها في المحاضرة التالية، هي ما يمكن أن تبعدنا عن ما تعودنا عليه في مجال الاقتباسات العلمية المجردة، التي ينتج عنها غالبا بحوث ودراسات لا يميزها اسلوب محدد، ولا تقدم اضافة حقيقية لمجال البحث العلمي، فضلا عن انها لا تعكس باي حال من الاحوال شخصية الباحث أو تحدد لنا اسلوبه وتوجهاته بشكل دقيق... 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق