الدكتور
طلال ناظم الزهيري
استاذ
نظم استرجاع المعلومات
في بداية مسيرتي العلمية اثار اهتمامي
بحث لعالم امريكي اسمه Vannevar Bush بعنوان [As We May Think] نشره عام 1945. الذي ترجم الى (كما قد نفكر) وجه الاثاره هنا ليس
المقال في حد ذاته، وانما في عدد الاستشهادات المرجعية التي كانت تشير اليه، خاصة
في مجال تخصصي علم المعلومات. وهنا تجدر الاشارة الى ان هذا العدد الكبير من
الاستشهادات لم يكن لموضوع او جودة المقال الذي يصنف في وقتها على انه من دراسات التنبأئية
وانما لان ما تنبأ به كاتب المقال كان قد حدث فعلاً.
فكاتب المقال كتب قائلاً
" يرجع عجزنا عن الوصول إلى الوثيقة، إلى حد بعيد إلى الافتعال وعدم الدقة في
نظم التكشيف، فحينما توضع بيانات من أي نوع في مكان الاختزان فإنها ترتب هجائياً
أو رقمياً، ويتم الوصول إلى المعلومات بتتبعها من فرع إلى آخر...والعقل البشـري لا
يعمل بهذه الطريقة، وإنما يعمل بتداعي المعاني أو ترابط الأفكار، فهو عندما يحصل
على إحـدى المواد ينتقـل في التو واللحظة إلى الأخرى التي اقترحها تداعي المعاني" هذا الاقتباس عد لاحقا
مؤشر على اقرار الكاتب في عجز النظم التقليدية عن تحقيق استدعاء دقيق للمعلومات،
بالتالي هو يتصور وجود امكانية لآله قادرة على ان تحاكي العقل البشري لضمان السرعة
والدقة. عموما موضوع المقال في حد ذاته هو مثال اقتبسته ليكون مدخل الى موضوع اجده
مهم وحيوي خاصة في الوقت الراهن. ماكتبه فانيفر بوش ما كان لينشر في اي مجلة علمية
مرموقه لو تقدم به اي شخص اخر. فبوش في حينها كان مدير مكتب البحث العلمي والتنمية
الامريكى والمعروف بـ(OSRD).
هذه المكانة العلمية سمحت له ان ينطلق في خياله الى ابعد مما كان ممكن ان يفكر فيه
اي شخص اخر. وعودة الى ذي بدأ اقول ان مقال بوش هذا ما كان ليقبل للنشر في اي مجلة
علمية محكمة. حتى تلك التي تلتزم بالحد الادنى من المعايير العلمية. ولعل فكرة ان
يتقدم بوش ذاته للحصول على ترقية علمية بهذا المقال كانت امر مستحيل. مع هذا اكتسب
هذا المقال شهرة عالمية.
ماذا اريد ان اقوله ببساطة، ان الضوابط والمعايير
التي تلتزم بها المجلات العلمية المحكمة للقبول او لرفض البحوث العلمية مبدئيا، تستند
في الغالب على مواصفات شكلية في معظمها. ولا تلامس موضوع البحث، الذي يفترض ان
يترك للخبراء والمحكمين من الذين تؤكل لهم مهمة تقييم البحث وتصويبه ومن ثم
التوصيه بنشره او رفضه. لكن يبقى السؤال هنا. هل قرار المحكم هذا الذي ينص على
قبول نشر البحث في المجلة يمكن ان يعتمد لاحقاً لاغراض تقييم البحث لاغراض الترقية
العلمية.؟ نجد الجواب واضحا وصريحا في تعليمات الترقيات العلمية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم (167) لسنة 2017.
في المادة 25 التي نصت على " تعد البحوث المنشورة او المقبولة للنشر في
المجلات العلمية المسجلة في قواعد البيانات مثل [Scopus]
و [Thomson Reuters] ...بحوثا اصيله ولا تخضع للتقييم. وهنا تكمن
المشكلة التي نحاول ان نناقشها بموضوعية.
لا شك ان معايير تقييم البحوث للنشر في
المجلات تختلف في تفاصيل كثيرة مع معايير تقييم البحوث للترقية العلمية . وهنا
اقدم الدليل العلمي الذي اتمنى ان اجد من يناقشنا فيه. على سبيل المثال ان تقييم (مفيد
او قيم) للبحوث ضمن معايير النشر في المجلات العالمية هي درجات مقبول لنشر البحث.
لكنها قد لا تكون كذلك لمتطلبات وشروط الترقية باختلاف الدرجة. اذ ان درجة القيم
والمفيد قد لا تخدم المتقدم لترقية الاستاذ مساعد او الاستاذية. مع انها خدمته في
مسالة النشر. بالتالي فأن بحث بدرجة قيم او مفيد منشور في احدى المجلات المشار
اليها في المادة 25 من التعليمات سابقة الذكر، يتحول بقدرة قادر الى بحث أصيل ولا
يمر بمراحل التقييم المعهوده ويأهل صاحبه للترقية الاعلى. وبالتاكيد هذا الامر
يخدم اعداد كبيرة من الاساتذة، كما يقف بالضد من رغبات اعداد اخرى. بالتالي نجد
هذا النقاش والجدال بين اصحاب المصالح المتعارضة على اشده في الجامعات العراقية. وحتى
لا انحاز الى اي من الطرفين لاني والحمد لله حاصل على الاستاذية منذ اكثر من 10
سنوات. بالتالي لست متضررا او منتفعا من اي من التوجهين. لكن لنضع الامور في نصاب
علمي ومنطقي. فعندما كانت تصلني معاملة ترقية على سبيل المثال كان تقييم البحث يختلف
من درجة علمية الى اخرى. فخبراء التقييم لاغراض الترقية العلمية تختلف قراراتهم
باختلاف الدرجة العلمية لطالب الترقية. فما يجدونه قيما للمدرس المساعد قد يجدوه
مفيدا للمدرس او الاستاذ المساعد. وما يجدوه اصيلا لمرتبة استاذ مساعد قد يكون
قيماً لدرجة الاستاذية. وهو نفس المبدأ الذي يتم فيه مراعاة الفرق بين رسالة
الماجستير واطروحة الدكتوراه عند التقيم. لان توقعات الجودة والاصالة يفترض ان
تزداد مع الخبرة العلمية والتقدم في المرتبة. هذا الامر تم تجاوزه تماما في
التعليمات الاخيرة لاحظ المفارقة الخطيرة.
لو اشترك ثلاث باحثين في نشر بحث في احدى المجلات العالمية المعتمدة . وتزامن
تقديم كل منهم على الترقية العلمية ولكن بمستويات مختلفة، الاول الى الاستاذية
والثاني الى الاستاذ المساعد والثالث الى المدرس. هذا البحث سوف يعد اصيلا للجميع
وهذا خلاف العرف الاكاديمي و تعليمات الترقية السابقة التي تعطي حق الانتفاع من تقييم البحث المشترك لصاحب الترقية الادنى وتحرم صاحب الترقية الاعلى منه. وهو امر اكثر منطقية من انتفاع الجميع بالدرجة ذاتها وهو امر خلاف المنطق، الا اذا تم توحيد درجة التقيمات العلمية لمختلف
المراتب العلمية وهذا امر غير حاصل وفقا لهذه التعليمات. ان ما يدفع به المؤيدون
لهذه التعليمات جاء من منطلق ان المجلات التي حددتها الوزارة والموجود ضمن القواعد
المذكور تجري عملية تقييم دقيقة للبحوث العلمية وتحرص على الاصالة الرصانة
والعلمية في اختياراتها. وهو امر لا يستطيع احد اثباته. لسبب بسيط حتى معايير
المجلات العالمية للنشر الكثير منها شكلي. فضلا عن ان تلك المجلات لا يمكن تصنيفها
بدرجة الجودة والرصانة ذاتها، فقط لانها موجودة في احدى قواعد البيانات العالمية التي
تعتمد في اختيارها للمجلات على اساس معامل التاثير . وهو بحد ذاته قصة اخرى.
شكرا
ردحذفشكرا دكتور 🌸🌸
ردحذفالسلام عليكم استاذ شكرا لكم للطرح غير المتحيز والنقاش العلمي وباسلوب يعكس ماساه الوضع الحالي لطالبي الترقيه وحاله الضبابيه التي تعاني منها موسساتنا التعليميه بفضل الاراء المتلقبه والمزاجيه للجان الخاصه بالترقيه والتي ذهب للبعض الي تسميتها بوزاره او دوله مستقله بذاتها بمعزل عن الجامعه الام التي من المروض ان تكون تابعه لها وفيما اقرا مقالكم هذا استاذي الفاضل يتبادر الي ذهني لماذا وصلنا الي هذه الحال !?هل هو السبب من المشرعيين للقانون ام من الحشد الاكاديمي ووقوفه موقف المتفرج من هكذا قرارات !?استاذي الفضل صحيح ان طرح المشكله هو نصف الحل لكننا نناشد للوصول للنصف الثاني
ردحذفتحياتي زميلتكم م د وسن نوري
الجامعه المستنصريه