الدكتور طلال ناظم الزهيري
استاذ نظم استرجاع المعلومات
الجامعة المستنصرية
لا شك ان جودة التعليم يعد مؤشرا مهما على اهتمام الدولة بالمؤسسات التعليمية، ويعكس حرصها على كفاءة مخرجاتها. و لاشك ايضا، ان كفاءة مخرجات المؤسسات التعليمية سوف ينعكس إيجاباً على مناحي الحياة المختلفة و يؤثر على القطاعات الاقتصادية والصحية والزراعية والهندسية...الخ و بشكل مباشر. لكن يبقى السؤال الاهم في الوقت الراهن هو: هل التصانيف العالمية هي المقياس الحقيقي لجودة التعليم في هذه الدولة ام تلك.؟
الجواب بكل موضوعية نعم. والسبب انها غالباً ما تعتمد على مؤشرات موضوعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الانشطة العلمية و البحثية في تلك المؤسسات. لكن هذه النعم يشوبها الكثير من الضبابية والغموض، خاصة عندما لا يدرك اصحاب القرار الغاية الحقيقية من هذه التصانيف و مبررات الاهتمام بها. وهنا علينا ان نتوقف عند هذه النقطة. ما معنى ان تحتل جامعة ما مرتبة متقدمة في تلك التصانيف وما هي العوائد الايجابية التي يمكن ان تتحقق لها.؟ الجواب على هذا السؤال يمكن تلخيصه بما يأتي :
1. اذا كانت الدولة تعتمد على سياسية تصدير الكفاءات العلمية للخارج لظروف إقتصادية محلية، عندها تسعى دائما الى تحقيق مراتب متقدمة في التصانيف العالمية، لان هذه المراتب سوف تحقق للكفاءات المهاجرة أفضلية في الحصول على فرصة عمل في دول اخرى. لاعتبارات انهم قادمون من جامعات رصينة. و امثلة على مثل هذه الدول الهند و باكستان و مصر.
2. بعض الدول تكون فيها الجامعات الخاصة أكثر رصانة من الجامعات الحكومية الامر الذي يؤدي الى ان تتنافس تلك الجامعات على جذب الطلبة اليها، بالتالي يعد وجودها ضمن المراتب المتقدمة في التصانيف العالمية عنصر جذب للطلبة من مختلف انحاء العالم، مما يتيح لها ان ترفع من سقف الرسوم المالية للدراسة فيها فضلا عن زيادة اعداد الطلبة فيها. و افضل مثال على هذا النوع جامعات الولايات المتحدة الامريكية و المملكة المتحدة.
الان، اي من هذين المبررين يدفع اصحاب القرار في العراق للحرص على تحقيق تواجد في التصانيف العالمية. و اؤكد على كلمة تواجد وليس مراتب متقدمة!، و لاحقاً سوف اوضح لماذا يستحيل على جامعاتنا ان تحقق مراتب متقدمة في تلك التصانيف.
مع هذا نجد هناك رغبة متواصلة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تحقيق هذا الامر. حتى انها عدلت في الكثير من التعليمات والقرارات التي من شأنها ان ترفع ولو قليلا من مراتب جامعاتنا في تلك التصانيف، وللاسف دون جدوى. كل الذي حصل انها اثقلت كاهل التدريسين باعباء مالية غير مبررة وشتت اهتمامهم في التطوير الذاتي و ساعدت على بروز ظواهر غير صحية في المؤسسات الأكاديمية مثل الانتحال العلمي والبحث بالانابة ودفع رشا لبعض مواقع القياسات العالمية لتحقيق ظهور وهمي فيها. وعودة على ذي بدأ نقول: لماذا يستحيل على الجامعات العراقية تحقيق مراتب متقدمة في اي من التصانيف العالمية.؟ الجواب ومن مراجعة بسيطة لمؤشرات اغلب التصانيف العالمية نكتشف ان جامعاتنا بعيدة كل البعد عن تحقيقها في الوقت الراهن. وسوف نحاول هنا ان نعرج على هذه المؤشرات:
لناخذ على سبيل المثال (التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم) ARWU : الذي يعتمد على المؤشرات المبينة في الجدول الاتي:
نلاحظ ان التصنيف يعتمد على اربع معايير وهي :
- جودة الملاك الأكاديمي. معيار يتم قياسه من خلال مؤشرين لكل منهما وزن (20%). الاول هو عدد اساتذة الجامعة الحاصلين على جائزة نوبل او ميداليات في الحقول العلمية بتراجع زمني ايضا. والفرق عن المؤشر السابق هو شرط الانتساب للجامعة في تاريخ الحصول على الجائزة. وبصراحة هذا المؤشر يستحيل تحقيقيه في الوقت الراهن على الاقل. خسرنا (20%) ايضا. اما المؤشر الثاني فهو للباحثين الحاصلين على اعلى معدل استشهاد ببحوثهم ودراساتهم المنشورة. ومن وجهة نظري المتواضعة هذا المؤشر هو الذي يفسر لنا كل قرارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي تدعو دائما بالترغيب تارة و الاجبار في معظم الاحيان لدفع الاساتذة للنشر في مجلات تقع ضمن المستوعبات العالمية مثل سكوباكس و كلارافيت. لان النشر في المجلات خارج هذه المجلات لا يحقق للباحث الحصول على استشهادات علمية.
- مخرجات البحث العلمي. هذا المعيار يتم قياسه من خلال مؤشرين لكل منهما وزن (20%). الاول يتم قياسه على اساس عدد البحوث المنشورة في مجلة [Nature and Science] مع ملاحظة وجود استثناء للجامعات والكليات الانسانية. اما الثاني فيعتمد على عدد البحوث العلمية للباحثين في الجامعة التي تمت فهرستها في (كشاف الاستشهادات المرجعية للعلوم) Science Citation Index و (كشاف الاستشهادات المرجعية للعلوم الاجتماعية). Social Science Citation Index. وفي تقديري ان معظم اساتذة الجامعات ليس لديهم علم بهذه الكشافات باستثناء اساتذة قسم المعلومات و المكتبات كونها كانت تدرس لطلبة البكالوريوس في هذا القسم باعتبارها من المصادر المرجعية. علما ان هذا المؤشر في المحصلة النهائية يتوافق مع المؤشر الثاني ضمن معيار جودة الملاك الأكاديمي.
- معيار الاداء الفردي. وهو معيار يعتمد على مؤشر واحد وزنه (10%). وتجدر الاشارة الى ان هذا المعيار غالبا ما يسهم في تراجع درجة المؤشرات السابقة لانه يتناسب عكسيا مع عدد الاساتذة. اي كلما زاد عدد الاساتذة ضعف المؤشر العام وبالعكس لانه يحتسب على اساس اداء الفرد مقسوم على العدد الكلي للمنتسبين للجامعة.
بعد هذا العرض نستطيع القول الى ان معظم الجامعات العراقية فرصها محدودة بين ثلاث مؤشرات مجموع اوزانها (60%). علما ان الحصول على الدرجة الكاملة في كل منها شبه مستحيل و لا يمكن تحقيقه، خاصة اذا ما علمنا ان جامعة اوهايو في امريكا على سبيل المثال احتلت المرتبة 100 بدرجة 26. وهذا هو السبب في تراجع الجامعات العراقية و ندرة ظهورها حتى في مراتب متاخرة ضمن هذا التصنيف والتصانيف الاخرى.
اذن ماهو الحل.؟:
على المستوى القريب. لا توجد فرصة للجامعات العراقية في الظهور في هذه التصنيفات وحتى ان ظهرت ستكون في مراتب متاخرة جدا. خاصة وانها لا تستطيع ان تتنافس على العديد من المؤشرات. بالتالي يفضل ان تركن وزارة التعليم العالي موضوع التصانيف العالمية جانباً و تعد خطة إستراتيجية و طنية للنهوض بواقع التعليم العالي في العراق على ان تتناغم هذه الاستراتيجية في رفع اداء الجامعات وتقريبها من شروط مؤشرات التصانيف العالمية وهنا نقترح الآتي:
1. اعادة هيكلة الجامعات العراقية لتكون جامعات تخصصية مثل جامعة العلوم التطبيقية و جامعة العلوم الطبية وجامعة العلوم الهندسية... الخ وكذلك الحال بالنسبة للعلوم الانسانية. ان الوضع المختلط للجامعات العراقية لم يعد يتماشى مع جودة التعليم . ولن يوفر فرصة لتلك الجامعات من تحقيق جودة التعليم فيها. علما ان الجامعات التخصصة سوف توفر استثمار امثل للموارد والمختبرات و تزيد من التنافس بين الاساتذة في مجال البحث العلمي.
2. مستقبلا ضرورة الاستعداد لفتح باب الزمالات في الجامعات العراقية للطلاب من مختلف دول العالم وفق شروط وتسهيلات تنافسية تستقطب اليها الطلاب من مختلف الدول كما كان الوضع في عقدي السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي.
3. التوسع في برامج تبادل الاعارات بين الجامعات العراقية والجامعات العربية والعالمية وضمان استقطاب اساتذة من دول متقدمة للتدريس في الجامعات العراقية وفق هذا النظام.
4. وضع ضوابط ومحددات جديدة للدراسات العليا داخل وخارج العراق و ترشيق قنوات القبول وفق خطط مدروسة تتوافق مع حاجة البلد. فضلا عن مراجعة شروط وضوابط الترقيات العلمية بعيدا عن تاثيرات متطلبات الظهور في التصانيف العالمية.
5. ترصين المجلات العلمية الاكاديمية و توفير سبل النهوض بها لتكون في مصاف المجلات العالمية. وهذا الامر يتطلب مراجعة شاملة لسياسات النشر فيها.
6. تعزيز مبادرات الوصول الحر و تحقيق التحولات الرقمية لدعم المحتوى التعليمي الرقمي وبما يتوافق مع برامج التعليم المدمج. الذي يجب ان يكون خيارا دائما وليس اضطرارا مؤقتا.
7. ابراز دور واهمية الكفاءات العلمية من خلال الجوائز المادية والاعتبارية. و التاكيد على اهمية رعاية العلماء وفق اعتبارات و مؤشرات دقيقة وموضوعية.
8. تفعيل برامج التوأمة بين الجامعات العراقية و الجامعات العالمية.
9. مراجعة التعليمات و القرارات الخاصة بضوابط وشروط القبول في الجامعات العراقية لضمان نوعية جيدة من الطلبة و العمل على زيادة رصانة الكليات الاهلية ليكون التنافس بينها على اساس الجودة.
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذففعلا دكتور المقترحات التسعة التي ذكرتها هي سلسلة من الخطوات والاجراءات والقرارات التي يكمل احدها الاخر ولايمكن التقدم في التصانيف العالمية الا من خلال اعتمادها جميعا ..وفقكم الله لخدمة العلم والمعرفة دكتور.
حذفنعم مهند لكن هذا اذا توفرت النية الصادقة للتطوير .
حذفاولا شكرا دكتور على هذه المجهودات المقدمة من خلال الفضاء الرقمي و المدونة على وجه الخصوص اما بالنسبة للمقترحات و الاجراءات فاوفقك الرأي ان توفرت فعلا النية الصادقة لتطوير و خدمة العلم و التعليم
ردحذفشكرا
ردحذفنعم دكتور طلال اوافقك الرأي وبشده
ردحذف