تعد الفهارس من اهم مرتكزات مؤسسات المكتبات، و اهم ما يميزها عن باقي مؤسسات المعلومات، لذا كان لابد ان يتم احداث مقاربة على مستوى المفهوم والتطبيق للفهارس وتتبع مراحل تطورها. وفي هذا الصدد ذكر (محمد،( 2010. ان فهارس المكتبات تطورت بتطور الوسائل التقنية التي كانت تستخدم في عملية نشر وحفظ المعرفة او التكنولوجيا المستخدمة في بنائها.
وعلى الصعيد الشخصي اجد ان مراحل تطور الفهارس بشكل عام بدأ فعلياً مع ظهور الفهارس البطاقية التي مثلت إنموذجا عملياً يتمتع بالعديد من الميزات ، لعل من أهمها تنوع مفاتيح الاسترجاع بين العنوان والمؤلف والموضوع ومرونة التحديث فضلا عن سهولة الاستخدام. ومما لا شك فيه، ان قواعد الفهرسة الانكلو-امريكية ولا حقا التقنين الدولي للوصف الببيلوغرافي، كانت قد أسهمت في تطور الفهارس البطاقية من خلال ما قدمته من قواعد خاصة باختيار المداخل الرئيسية للمصدر، فضلا عن تطبيق قواعد الاحالات التي تعطي المستفيد فرصة للوصول الى المصدر بطريقة مرنة. مع هذا يعاب على الفهارس البطاقية، انها مكلفة على المدى الزمني البعيد، وتحتاج الى وقت وجهد للبناء والصيانة والتحديث، لكن من وجهة نظري ان اهم سلبيات الفهارس البطاقية كانت في كونها احادية الاستخدام على مستوى (الادراج)، اذ يمكن لمستفيد واحد فقط استخدام الدرج، و بطريقة لا تسمح للاخرين الانتفاع منه. كما ان مداخل البحث التي ذكرنها (العنوان- المؤلف – الموضوع) لم تعد كافية في ظل تحول اساليب بحث المستفيدين من المصدر الى المعلومة. وفي مفارقة مهمة ظهرت الفهارس الآلية، التي كانت نتيجة غير مقصودة لعملية تحويل قواعد الفهرسة الانكلو-امريكية الى صيغة يمكن ان تفهمها اجهزة الحواسيب والتي كانت في بداية ظهورها، من خلال توسيمها بارقام ورموز ليسهل تميزها وفهمها. هذا الشكل القياسي لبيانات البطاقة عرف لاحقا باسم [Marc] مختصر الفهرسة المقرؤءة آليا. وعلى الرغم من ان ابتكار صيغة مارك هذه، كانت تهدف بالاساس الى ايجاد وسيلة للافادة منها في طباعة بطاقات الفهارس بطريقة آلية. الا انها تحولت لا حقا الى مرتكز اساسي للفهارس الآلية، ومع وجود مئات الالاف من التسجيلات الببليوغرافية للمصادر التي تحتاج الى مستودع لتخزينها ظهرت الحاجة الى ربط مارك بقاعدة بيانات لانه لم يصمم اساساً ليكون مخزن للبيانات، فضلا على انه لا يوفر امكانية الربط بين البيانات على مستوى الحقول، كما هو الحال في قواعد البيانات العلائقية، لذا فأن تصميم نظام استرجاع مرتبط بقاعدة بيانات يُمكن المستفيدين من خزن ومعالجة عمليات البحث آلياً للتسجيلات الببليوغرافية، والحصول على النتائج المطلوبة. كان البداية الحقيقية لما يعرف اليوم بالفهارس الآلية. ولاهمية التوحيد القياسي أصبح مارك هو الصيغة الاكثر قبولاً في بناء التسجيلات الببليوغرافية في معظم نظم ادارة المكتبات العالمية.
ولا شك ان الفهارس الآلية كانت قد حققت أفضلية ملموسة على الفهارس التقليدية، خاصة وانها تجاوزت الكثير من العوائق والسلبيات المرافقة لاستخدام الفهارس التقليدية، وتحديداً في ما يخص سرعة التحديث و سهولة البحث فضلا عن توسيع نطاق مفاتيح الاسترجاع الى ابعد من العنوان والمؤلف والموضوع، كما انها قدمت الحلول للتوسع في البيانات الببليوغرافية التي تصف المصدر، بعد ان تجاوزت الحدود الالزامية لمساحة البطاقة الورقية. اما اهم المآخذ على الفهارس الآلية فكانت مجال الاستخدام المحلي والاتاحة للمستفيدين من مكتبة بعينها.
في مرحلة لا حقة من تطور تكنولوجيا الحواسيب، ومع بداية عصر الشبكات، بادرت العديد من المكتبات في الولايات المتحدة الامريكية الى الإفادة من هذه التكنولوجيا و الانتقال بالفهارس الآلية من النطاق المحلي المحصور في بناية المكتبة، الى نطاق أوسع يتيح للمستفيدين الدخول الى فهارس المكتبات من محطات طرفية منتشرة في أماكن مختلفة. واصبح مفهوم الفهارس العامة المتاحة بالاتصال المباشر والمعروفة اختصارا بـ Opac [Online Public Access Catalog].
ان امكانية الوصول الى فهارس المكتبات عن بعد، دفع بالعديد من المكتبات الجامعية في الولايات المتحدة الامريكية وغيرها الى تبني فكرة الفهارس الموحدة.[Union Catalog] والتي يقصد منها تجميع الفهارس الفرعية للمكتبات على مستوى النوع على سبيل المثال، (الفهرس الموحد للمكتبات الجامعية المصرية) او على اساس اللغة مثل (الفهرس العربي الموحد) او على اساس البلد او المنطقة الجغرافية مثل (الفهرس العراقي الموحد) مع الاقرار ان وجود هذه الانواع من الفهارس لم يحرم المكتبات من احتفاظ كل منها بفهرسها الخاص. ويعد نموذج الفهارس الموحد نواة الفهارس التعاونية التي ظهرت لاحقا في الولايات المتحدة الامريكية ضمن مشروع ضخم يعرف بـ OCLC [Online Computer Library Center] التي اصبحت مسؤولة عن ادارة اكبر فهرس بالعالم والمتاح من خلال الانترنت باسم [Worldcat]. ومع هذا النوع من الفهارس نختم مراحل تطورها لنفتح نافذة على اسلوب جديد في آلية عمل فهارس المكتبات والتي لم تعد تقتصر على توفير خدمات البحث وتعقب مصادر المعلومات والتعرف على مكان وجودها الى ما هو اوسع واشمل ضمن مفهوم ونوع اخر من الفهارس تقدم خدمات تعاونية مشتركة بين مجموعة من المكتبات. و لا يقتصر دورها على تنفيذ عمليات البحث عن مصادر المعلومات. وبشكل عام يمكن تمثيل مراحل تطور الفهارس مع العوامل والادوات المساعدة بالشكل رقم (2).
الشكل (2) مراحل تطور الفهارس
في مرحلة لا حقة من مراحل التطور التقني، و في ظل الانجازات الكبيرة التي تحققت في مجال بناء وتطوير نظم ادارة المكتبات، أهتم العديد من المتخصصين في المعلومات، بفكرة الافادة من تلك النظم في تحقيق التحول من النظم التقليدية الى النظم الالكترونية، خاصة، وان هناك عوامل عديدة، كانت قد اسهمت في تقريب المسافات وتذليل الصعاب، التي كانت تقف عائقا امام اجراءات التحول تلك، وفي ظل ضعف امكانيات مؤسسات المكتبات عموما والعامة منها على وجه الخصوص في الجانب التقني والمادي عربيا، حتى مع الاقرار بوجود تفاوت نسبي بينها وفقا لظروف البلدان الاقتصادية وتوجهات القيادات التطويرية فضلا عن النظرة الاعتبارية لمؤسسات المكتبات في عيون اصحاب القرار. توجهت انظار المكتبات الى البيئة السحابية لتكون ميدان التواجد ونافذة التواصل مع المكتبات المناظرة ومجتمع المستفيدين. ولعل في مقدم اجراءات التحول في نمط العمل من التقليدي الى الالكتروني كان قد بدأ مع فهارس المكتبات. لاعتبارات ذكرناها سابقاً.
الفهارس السحابية
الفهرس السحابي Cloud Catalog هو مفهوم متضمن في مفهوم اوسع وهو المكتبة السحابية Cloud Library. الذي ينسجم على مستوى التطبيق مع مفهوم الحوسبة السحابية Cloud Computing. وعلى مستوى النتاج الفكري العربي كان مصطلح الفهارس السحابية حاضراً في عملين منفصلين الاول هو مشروع مقدم في (ندوة مستقبل الفهرسة) بعنوان الفهرس الوطني السحابي* التي نظمتها البوابة العربية للمعلومات والمكتبات في القاهرة عام 2016. والثاني هو محاضرة بعنوان (الفهارس السحابية*) القيت في مهرجان يوم المكتبة العربية في المكتبة الوطنية العراقية عام 2018. اما على صعيد النتاج الفكري باللغة الانكليزية فلم نجد حضور لهذا المصطلح في حدود ما اتيح لنا من معلومات على الانترنت. و لحداثة هذا المفهوم نحاول ان نتوقف لتوضيح ماهيته وما نقصد به على مستوى التنظير المعرفي او التطبيق العملي. على مستوى التنظير يمكن القول ان الفهارس السحابية هي عبارة عن مواقع مؤسسية غالبا تتيح للمكتبات على اختلاف انواعها واحجامها امكانية رفع بياناتها للوصف الببليوغرافي لمقتنياتها الى قاعدة بيانات الفهرس السحابي، على ان تتكفل ادارة الموقع في توفير المساحات الخزنية والمعالجات الفنية المطلوبة لتجهيز البيانات لتكون جاهزة للبحث من خلال توفير نقاط اتاحة و وصول. وقد يكون هذا الامر بمقابل مادي او مجاني.
على مستوى التطبيق فأن الفهارس السحابية تحاكي تماما مفهوم الحوسبة السحابية، اذ يمكن ان تكون:
· خدمات الفهارس السحابية مقتصرة على الاجهزة من خلال توفير سيرفرات يتاح للمكتبات استثمارها في تاجير مساحة معينة تكفي لرفع فهارسها المحلية عليها. وغالبا ما يسهم هذا الخيار في ضغط نفقات شراء الاجهزة والمعدات الاخرى فضلا عن متطلبات صيانتها.
· قد تكون عبارة عن منصات برمجية مثل نظام ادارة مكتبات يتيح للمكتبات امكانية الدخول على النظام ورفع تسجيلاتها اللببليوغرافية ضمن النطاق المخصص لها من خلال الافادة من الادوات والخبرات اللازمة للتعامل مع البيانات. وهذا النوع هو الاوسع انتشارا والاكثر تطبيقاً.
واليوم توجد في بيئة الانترنت عدد لا باس به من الفهارس التي ينطبق عليها وصف الفهارس السحابية على مستوى المفهوم والتطبيق والتي نحاول ان نعرف بالبعض منها وفقا لاعتبارات تقاربها مع المفهوم.
1. الفهرس العالمي [Worldcat] يعد اضخم فهرس في العالم يحتوى على بيانات اكثر من (72) الف مكتبة متوزع على (170) دولة واقليم من اعضاء برنامج الفهرس التعاونية التابع الى [OCLC] تشترك جميع المكتبات بقاعادة بيانات الفهرس وهو متاح مجانا لجميع المكتبات. حتى نهاية عام 2017 بلغ عدد التسجيلات الببليوغرافية في قاعدة بيانات الفهرس بحدود (400) مليون تسجيلة بـ(491) لغة تمثل (2.6) مليار مادة ورقية ورقمية*.
2. الفهرس العربي الموحد . الفهرس العربي الموحد مشروع تعاوني متكامل لتقديم الخدمات المعرفية من خلال منصة تعاونية مشتركة تجمع مؤسسات المعرفة والثقافة في العالم العربي. اطلق من مكتبة الملك فهد في المملكة العربية السعودية عام 2007 حيث تم العمل على تطوير جانب المعالجة الفنية لوعاء المعلومات العربي والذي شمل تقنين الممارسات وتوحيدها و الضبط الببليوغرافي و الاستنادي للفهارس حسب أحدث المعايير الدولية في المجال ونشر ثقافة الفهرسة التعاونية وقد تمكن الفهرس من تحقيق نتائج ممتازة مجتمع الفهرس يتكون مما يقارب 5000 مكتبة تنتمي إلى 500 جهة من 27 دولة. تم إنشاء وضبط خمس ملفات إستنادية تحتوي على ما يزيد عن 1.000.000 مدخل إستنادي مقنن وموحد يحتوي على أكثر 500.000 اسم شخص و 300.000 رأس موضوع. قام بمعالجة أكثر 3.000.000 تسجلة لفائدة أعضائه و قام مجتمع الفهرس بتنزيل أكثر 1.000.000 تسجيلة على فهارسهم المحلية. *
3. الفهرس العراقي الموحد. بالتعاون بين الجمعية العراقية لتكنولوجيا المعلومات و مركز الشؤون الفكرية والثقافية التابع للعتبة الحسينية المقدسة تم اطلاق الفهرس العراقي الموحد بتاريخ 29/12/2016 على الموقع الرئيس [http://www.iquc.org] بنواة من البيانات تمثل موجودات مكتبة العتبة الحسينية و اربع مكتبات جامعية هي مكتبة الجامعة التكنولوجية، ومكتبة جامعة بغداد، ومكتبة جامعة كربلاء، ومكتبة جامعة بابل. و بعد مرور عام على اطلاق الفهرس وصل عدد المكتبات التي رفعت بياناتها الى قاعدة بيانات الفهرس الى اكثر من 20 مكتبة معظمها مكتبات جامعية. وبلغ عدد التسجيلات في حدود 400 الف تسجيلة تمثل اكثر من 800 الف مادة ورقية ورقمية.
اضاءة مفيدة في موضوع جدير بالبحثوالدراسة
ردحذفكل الشكر الزملاء الاعزاء دكتور طلال ودكتور خالد
موضوع مهم جدا ومفيد
ردحذف